د.جواد الهنداوي: التظاهرات في العراق :أين الخلل؟

المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات في ٢٨/ ١٠ /٢٠١٩

احداث و مسار العقديّن المنصرمين من الزمن ، و التي عاشها و عاناها العراق تُتيح لنا استنتاج حقائق و دروس :
بعد احتلال العراق عَرفنا القاعدة وتنظيم الزرقاوي ، وبعد تظاهرات الموصل ، عانيّنا تنظيم داعش و بقيادة المقبور البغدادي و احتلال الموصل . تظاهرات اليوم تشكّل مرحلة مهمة و مفصلية في مسار النظام السياسي ،مطالب مشروعة ولكن اعمال قتل ونهب وسلب وتصفية حسابات ، وجميعها اعمال اجرامية و مُدانة ، وتقود البلد الى فتنة ينتظرها و يستعجلها المتربصون . لتكن تظاهرات اليوم مناسبة مواتيّة لتصحيح المسار ، بدلاً مِنْ ان تكون مناسبة يوظفّها أعداء العراق و المتربصين لخراب المجتمع والدولة . لا أحدَ ينكر حقيقة التدخل الخارجي في شؤون العراق ، وهذا التدخل ينشط ُ و يصبحُ فاعل و مؤثر عندما تحّلُ فوضى و اعمال قتل ونهب تواكب التظاهرات ، و عجبي لمن يستبعدُ التدخل والتوظيف السيئ للتظاهرات .
الحل ليس في تغيير النظام السياسي و إنما في اصلاحه ،الحلْ ليس في استقالة الحكومة و إنما في تسيير الأعمال واستمرار عمل القائد العام للقوات المسلحة ، وترك مصير الحكومة لتقدير مجلس النواب .
الحل ليس في ألغاء الدستور او الاستمرار بتطبيقه وإنما بتعديله ،كي ينتج نظاماً سياسياً قادراً على بناء البلاد و القضاء على الفساد .
أين الخلل ؟
الخلل هو ان تكون جميع السلطات السياسية بيد مجلس النواب ، وهو عبارة عن مجلس احزاب ؛احزاب تتنافس على السلطة و عينها على المكتسبات وليس على الإنجازات.هذا هو شأن الأحزاب في كل دول العالم، فما بالُكَ في العراق؛ دولة عاشت لعقود في دكتاتورية و حروب وحصار و احتلال و ارهاب، وفوق هذا و ذاك دون تجربة سياسية ديمقراطية ! ومما يُزيد الأمر سوءاً باننا دون مجلس اتحاد ،اي نعمل بنظام ” نصف برلمان ” ، اي سلطة كاملة لمجلس النواب وهو كما ذكرت مجلس احزاب،اي النائب ، غالباً ما يمثلُ ” للأسف ” حزبه اكثر مما يمثلُ إرادة الناخب او الشعب. النائب يصوّت على هذا او ذاك المشروع، وفق توجيهات الحزب وليس وفق مصلحة الدولة او الشعب . دستورنا الحالي يفتقر الى مبدأ التوازن بين السلطات ، توازن بين سلطة مجلس النواب و السلطة التنفيذية . كُلّ السلطات السياسية يحتكرها مجلس النواب ،هو الذي يمنح الثقة للحكومة وهو الذي يقيل الوزير .
قرارات مجلس النواب اليوم والمتعلقة بحل مجالس المحافظات و إلغاء الامتيازات و الأخرى خير دليل على ان امر الإصلاح و التغير منوط ليس برئاسة الوزراء و إنما بمجلس النواب ! امر القضاء على الفساد منوط بجميع السلطات ( النواب ، و رئاسة الوزراء ، والقضاء) ، وخاصة القضاء المسؤول الأول ، ومن خلال المدعي العام ،على رصد المخالفات القانونية و الادعاء ضدها أمام القضاء .
يعاني الدستور من نواقص عديدة ، لم تغبْ عنّا ،عند كتابة وصياغة الدستور ،تم تشخيصها و الإفصاح عنها ، و الجميع ،ممن ساهموا في كتابة وصياغة الدستور يشهد بذلك و يعلم بها ،لكن ، وحسبما قالوا ” هذا ما يمكن الاتفاق عليه و نخشى النظام الرئاسي من عودة الدكتاتورية ” !
ليس لدينا نظام برلماني وإنما نظام مجلس نواب ،ليس لدينا نظام برلماني ، لأن النظام البرلماني يسمح لرئيس الوزراء بحل البرلمان ويعطيه صلاحيات ، ليس لدينا نظام برلماني لغياب مجلس آخر مع مجلس النواب . لدينا نظام مجلس نواب و هو مجلس احزاب و يحتكر الصلاحيات . ليس لدينا ديمقراطية شعبية وإنما ديمقراطية مجلسيّة (نسبة الى مجلس النواب ) ،من يختار ر .الجمهورية ليس الشعب وإنما مجلس النواب ،من يختار ر .الوزراء ليس الشعب وإنما مجلس النواب .
الدستور كان ضحيّة القدر حيث تحمّل وزر المكون الشيعي الذي جاء وهو خائف من الماضي ويحلمُ في المستقبل . الدستور حملَ وزر المكون السني الذي جاءه الذي يحّنُ للماضي و خائف من المستقبل . الدستور حملَ وزر المكون الكردي الذي جاءه وهو خائف من الماضي وخائف أيضاً من المستقبل . هكذا كانت ولاّدة الدستور . ولاّدة صعبة وعسيرة .يستحق الاحترام لما يتضمنه من حقوق و حريات و يستحق التعديل كي يكون قادراً على بناء دولة .

Comment here