أشكالية النفط العراقي: مصدر للتقدم وللرخاء أم للتقهقر وللشقاء ؟

اتقدم بالشكر والامتنان الى الاستاذ مضر السباهي رئيس ابحاث المعهد العراقي للأصلاح الاقتصادي

تهدف المقالة الى توضيح اهمية تبني الحكومة العراقية ثوابت ومنطلقات لادارة شؤون النفطـ، باعتباره ثروة ستراتيجية متميزة عن باقي ثروات العراق في الوقت الحاضر.  وتذكر انه على الرغم من ان النفط  يعد مصدر للتقدم والرخاء الا ان وقائع الاحداث تؤكد على انه ايضا يمكن أن يعدَّ مصدرا للبلاء والشقاء.  وتحذر من اثار اصدار قوانين وسياسات لا تنسجم مع الثوابت الخاصة بالثروة الوطنية، وتفسر ان بعض الممارسات الحالية تمثل تجاوزاً على الثوابت الوطنية وعلى الصالح العام، وانها ستقود الى سوء توزيع الثروة وهدرالايرادات العامة، علاوة على انها تهدد السيادة والوحدة الوطنية وتحتمل صراع مرير. الحقيقة ان العراق اليوم امام مفترق طرق احدهم نحن التقدم والرخاء، وثانيهما الى التقهقر والشقاء.

1.  اشكالية النفط الثنائية:

عموما فأن النفط مادة اساسية لتعزيز الرخاء وتحقيق التقدم، الا ان هناك الكثير من الوقائع التي تؤكد انه مصدر للتقهقر والشقاء. فمن الطبيعي عندما تكون عوائد النفط تحت تصرف الحكومة مباشرة،  فان من شأن هذه الحالة تجعل الحكومة امام رصيد مالي اكبر من الرصيد المالي المتحقق في قطاعات اقتصادية اخرى، وهو ايضا مصدر مالي سهل الكسب لم يتحقق على حساب المواطنين. فان هذه الظاهرة تشجع في غياب الديمقراطية (بمعناها الكامل) على اعطاء الحكومة مساحة واسعة بالتصرف به ظاهريا لصالح المواطن، ولكن في حقيقة الامر تكريس لدور السلطة في الحكم. ولتحقيق تلك المأرب تلجأ الحكومات الى التعتيم على شفافية ابواب وآلية الانفاق العام. 

ان مصداقية عدم الشفافية تتجلى عند النظر الى مؤشر شفافية الموازنة والذي يتراوح بين 0 للدول التي تفتقد للشفافية و 100 للدول التي تنعم بالشفافية، نجد واضحاً من الجدول ادناه  ان معدل قيمة المؤشر للدول المصنفة “بالدكتاتورية” من غير النفطية 33.4% في حين ان نظيراتها من الدول النفطية %18.9 ، وهي مؤشرات واطئة عندما نقارنها بدول مثل جنوب اقريقيا (حيث يبلغ مؤشرها 100 ) مؤكدة حقيقة حرص تلك الحكومات على عدم اطلاع المواطنين  (حاليا مؤشر شفافية الموازنة للعراق والسعودية يساوي 0).

معدل قيمة الشفافية في الموازنة العامة

(والتي تتراوح بين 100 – 0 للدول التي تنعم والتي لا تنعم بالشفافية)

 

غير النفطية

الدول النفطية

الاختلاف

كل الدول

39.6

39.9

0.3

الدول الديمقراطية

43.3

56.5

33.4

الدول الدكتاتورية

33.4

18.9

– 14.5

المصدر:2008 International budget Partnership

وتوثيقا لصحة العلاقة بين السلطة الدكتاتورية والايرادات النفطية وجد في عام 1980 ان نسبة الدول النفطية غير الديمقرطية تشكل  25% الا انه في سنة 2008  اصبحت النسبة 40% ، وذلك لان مجموع عدد الدول غير الديمقراطية انخفظت من 103 الى 74.  (المصدر    The Oil Curse, pp 94 )

 

ومن تداعيات الايرادات النفطية ان تلجأ الحكومات الى تبني سياسات اقتصادية عقيمة في اثارها متمثلة: بزيادة الرواتب والاجور بعيدا عن حسابات انتاجية العمل، وبالتوسع في خلق عمالة لاغراض غير انتاجية مما ينجم عنهما تضخم بالاسعار، وانتهاج سياسة دعم اقتصادي عشوائية محدثة تشوه في بنية الاقتصاد، والتوجه نحو الانفاق غير منتج يهدف في جوهره ربط المواطن بالسلطة.  اما سياسات الانفاق السياسية فتتمثل بالمنح والمساعدات وفتح ودوائر خارجية دبلوماسية وثقافية لا تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد ولا للمواطنين.  اضافة الى ما تقدم  فان الدول المصدرة للنفط عادة ما يكون سعر صرف عملتها عاليا نسبيا مما يساهم في رفع اسعار صادراتها وضعف قدرتها التنافسية في السوق العالمية.  ونتيجة لكل ماتقدم  فان القطاع الخاص في هذه الدول يتمتع بوجود ضعيف و هامشي، ذلك لانه لا يتمتع بالدعم (كما هو الحال في القطاع العام) وهو يتركز في المجالات غير الانتاج غير الحقيقي (تجارية وخدمية). ان غياب دور الحقيقي للقطاع الخاص يعني غياب الابداع وسرعة التكيُّف لاحتياجات السوق، وان تفرد القطاع العام بالانتاج وغياب منافسة القطاع الخاص تؤدي الى استمرار تردي كفاءة انتاج القطاع العام. الامرالذي يتطلب تدخل الحكومة وحماية القطاع العام من خلال الدعم المادي وسياسة الحماية الكمركية.  وبالتالي فان الحكومة تعمل على حماية مؤسسات انتاجية خاملة على حساب الموطن الذي يجد حاله مضطرا لشراء السلع او الخدمات بسعر اعلى و بنوعية رديئة. ان هذه التضحية عادة ما كما تؤكد التجربة العالمية لاتؤدي في الامد القصير ولا البعيد الى تحسن اداء وكفاءة انتاج القطاع العام.  ان غياب دور القطاع الخاص يحول المواطنين الى كسبة وموظفين مأجورين للحكومة تابعين لتوجهات الحكومة، ومما لاشك فيه فأن ذلك يؤثر على استقلالية الفرد عن الحكومة ومن ثم على اتساع ساحة منظمات المجتمع المدني المستقلة. ان مضي الحكومة في تلك السياقات يؤدي بالنهاية الى انقسام المواطنين الى فصيلين مختلفين من المنتفعين وغيرهم.  وبسب محدودية فرص العمل التي يمكن ان يخلقها القطاع العام، فتسعى الحكومة الى خلق عمالة عن طريق تعزيز دور السلطة الامني من خلال زيادة عدد منتسبي الشرطة والجيش والاستفادة من الفائض النقدي في شراء السلاح والمعدات العسكرية. ان نمو القدرات العسكرية يشجع على معالجة الخلافات الداخلية والخارجية عسكريا، ومن ثم اجهاض اي بوادر للنمو والتطور.  من جانب اخر ان اعتماد العوائد النفطية على سعر النفط بالسوق العالمية يعرِّض اقتصاديات تلك الدول الى موجات من المد والجزر والتي تنعكس من خلال التقلبات الحادة في الايرادت النفطية.  واخيرا العوائد النفطية للدول عادة ما تستفيد منها المدن اكثر من الريف، وهذا ما يسبب حالة هجرة من الريف الى المدينة، ولاشك ان هذه الهجرة عادة ما تكون في فترة زمنية قصيرة ينجم عنها اختناقات حادة بسبب عدم كفاية عرض الخدمات بالنسبة الى الطلب والى مشكلات اجتماعية واقتصادية متعددة.  ولايكتفي تاثير هذا الحالة على مستوى الخدمات المتاحة بالمدينة ليتعدى الى ضعف مساهمة الريف في الانتاج الزراعي والحيواني وحصول تغيرات في خصوبية الارض والتي تؤدي الى خسائر جسيمة.  والحقيقة ان ماتقدم يمكن ان نجد له مصداقية في الاقتصاد العراقي وبالاخص خلال الحقبة الزمنية 1968 -2003، ولا شك ان اثار هذه السياسات وطبيعتها لم تتغير جذرياً،  بسبب التجاذبات السياسية القائمة والتي تنعكس على ضعف الارادة السياسية.

2. اشكالية النفط والاقتصاد العراقي

اتصف الاقتصاد العراقي من اواسط السبعينيات بارتفاع كبير في الموارد النفطية وانعكس ذلك ايجابياً على وضع الاقتصاد الوطني بصورة نسبية، وصاحبَ ذلك تعتيما كامل على الايرادات النفطية وتجاهل لحق المواطن في معرفة مفردات الموازنة، وتمتع القطاع العام بدعم حكومي سخي وهيمنة كاملة على الاقتصاد على حساب القطاع الخاص (رغم تدني كفاءته). قسمت الارادة السياسية المجتمع الى فصيلين من المنتفعين وغير المنتفعين مستعينة بكل وسائل الاعلام التي تستطيع موارد النفط تغذيتها. وبسبب ضعف الطاقة الاستيعابية للأنفاق على المشاريع الاقتصادية (خلال عقد السبعينيات) وجدت الحكومة نفسها قادرة على الانفاق لتعزيز مكانتها السياسية أقليميا ودولياً وذلك بتقديم المنح والمساعدات الخارجية (وبالأخص لدول عدم الانحياز) وبناء الترسانة العسكرية حتى وصل الامر الى ان وصف العراق برابع الجيوش في العالم، وقامت السلطة انذاك بشن الحروب الداخلية والخارجية وتدهورت الحالة الاقتصادية واستمر التدهور ولجأت الحكومة الى الديون الخارجية والتي اصبحت فيما بعد عبأ ثقيلا  حتى غدا العراق واحداً من الدول الفقيرة في العالم.  

وبعد عام 2003 وجد العراق نفسه امام انهيار كامل للبنى التحتية للاقتصاد العراقي بما في ذلك البنى التحتية النفطية، وتم اعطاء الاستثمارات النفطية الاولوية لما لها اهمية في تغذية المرافق الاقتصادية الاخرى. ورغم ان الفلسفة الجديدة للاقتصاد العراقي مختلفة جذريا عن الماضي، الا ان الممارسات الحالية لا زالت متأصلة بالسابق ونجد ذلك واضحا من خلال مراجعة اداء الاقتصاد العراقي منذ 2004 نجد ما يلي :

1. رغم تحسن هيكل الاقتصاد العراقي متمثلا بارتفاع نسبة مساهمات القطاعات الاقتصادية (بالنسبة لقطاع النفط) في الناتج المحلي الاجمالي الا ان نسبة مساهمة النفط لا تقل عن 50% ، وانه لا زال يمول الموازنة العامة بأكثر من 92%.  وبقيت تبعية الاقتصاد للنفط شاخصة متمثلة بالارتباط الشديد بين الايرادات النفطية والانفاق العام وقيمة الناتج المحلي الاجمالي، وتأثر الاقتصاد بدرجة كبيرة بالازمات المالية للدول الصناعية حيث انعكست الازمة المالية سلبا في عام 2009 من خلال هبوط اسعار النفط على الاقتصاد العراقي. ولقد نمت الايرادات النفطية من 39،454 مليار دينار عام 2005 وتطورت الى 66،820 مليار دينار عام 2010 (اي بمعدل نمو سنوي مركب يعادل 9.2% لنفس الفترة).  وانعكس ذلك جليا قيمة الناتج المحلي الاجمالي الذي بلغ 73،911 مليار دينار عام 2005 وارتفع الى 173،000 مليار دينار عام 2010 ، ومما يجب ذكره ان هيكل الناتج المحلي الاجمالي لا زال يعاني من ضعف مساهمة القطاع الصناعي والزراعي والمصرفي … الخ. ومع زيادة الناتج المحلي المذكور ارتفع الانفاق العام من 30،83 ملياردينار عام 2005 الى 64،35 مليار دينار عام 2010(اي بمعدل نمو سنوي مركب يعادل 13% لنفس الفترة) ، وكانت نسبة الانفاق التشغيلي  70% من الموازنة الاتحادية وهو اكبر من الانفاق الاستثماري والذي يمثل 30% (بأحسن الاحوال).  ومن الصور الاخرى لعيوب سياسة الانفاق والتي تسهم في تشوه الاقتصاد العراقي ان ارتفعت تعويضات الموظفين من 6،420 مليار دينار عام 2005 الى 26،696 مليار دينار عام 2010 (اي بمعدل نمو سنوي مركب يعادل 26.8% لنفس الفترة).

تطور الايرادات النفطية وقيمة الناتج المحلي الاجمالي 2004 – 2010

السنة

الايرادات النفطية (مليار دينار)

الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية (مليار دينار)

متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي(الف دينار)

2004

32,625.10

53,499.23

1,961.51

2005

39,453.95

73,911.08

2,629.68

2006

46,908.04

96,067.16

3,274.23

2007

53,154.99

111,961.23

3,754.99

2008

77,562.35

158,433.58

5,135.26

2009

51,719.06

140,159.10

4,423.69

2010

66,819.67

173,046.33

5,301.10

2. وبخصوص العلاقة بين القطاع العام والخاص ساهم القطاع العام على سبيل المثال ما نسبته 70% من الناتج المحلي الاجمالي، ورغم ان السياسة الحكومية المعلنة كانت ولازالت لصالح القطاع الخاص إلا ان القطاع العام هو المهيمن ولازال يحتل نفس النسبة او اكثر قليلا وذلك بسبب سياسة الدعم الحكومي للقطاع العام والتي بدأت بحدود 2 مليار دولار عام 2005 ثم ارتفعت لاكثر من  3 مليار دولار في 2011، وان هذا المبلغ يخص فقط مؤسسات وزارة الصناعة فقط. ان استمرار تدني مساهمة القطاع الخاص تأتي بسبب سياسة تكوين رأس المال الداعم للقطاع العام، فقد حظي القطاع العام ما نسبته 93% عام 2004 وارتفع الى 97% عام 2009 بينما انخفضت نسبة القطاع الخاص من 7% عام 2004 الى 3.2% عام 2009 .  واعتمدت الحكومة ايضا سياسة رفع الاجور والمرتبات بعيدا عن اعتبارات انتاجية العمل، واستمر بدعم النشاطات غير المنتجة منها الانفاق العسكري.  ومن صور سوء توزيع الموارد النفطية ان تجاوزت مجموع تخصيصات الرئاسات الثلاث مع وزارة الخارجية ما مجموع خمس وزارات وهي الصناعة والزراعة والاسكان والاتصالات والبيئة للفترة من 2006 الى 2010.

3. ولا زالت عوائد النفط وفلسفة الحكومة في شراء رضا المواطنين على حساب المعالجة الجذرية للمشكلات الاقتصادية حجر عثرة امام الاصلاحات الاقتصادية والمتمثلة بسياسة اصلاح الدعم الحكومي وتجاوز الهدر للمال العام المصاحب لها، وسياسة اعادة هيكلة الشركات والمؤسسات الحكومية لغرض رفع كفاءة انتاجها، والاصلاح المصرفي الذي يعتبر المحرك الحقيقي للأقتصاد الخ.

ورغم مما مر فان ما تقدم يمكن تبريره بالظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق بالمرحلة الانتقالية الحالية او لتداعيات العملية السياسية، إلا اننا نخشى ان تستمر هذه المرحلة لفترة اطول اذ ان استمرارها يؤدي الى الامعان بتشوه الاقتصاد العراقي، والحقيقة انها سوف تستمر ما دامت الارادة السياسية للحكومة خاضعة بدرجة كبيرة لتوافقات الكتل السياسية التي لا تمتلك رؤيا واضحة للمنهج الاقتصادي الجديد.

 ان تجاوز الجوانب السلبية الملازمة للثروة النفطية يتطلب أولاً العمل على تطبيق مفردات الحكم الرشيد، وثانيا العمل على جعل عائدية موارد الثروة النفطية مباشرة للمواطنين بالقوة (بقوة الدستور) وبالفعل بعد اقتطاع الضرائب الضرورية لتمويل المشاريع الحكومية. ان تطبيق مفردات الحكم الرشيد: يتطلب تعميق الممارسات التي من شأنها الافصاح والشفافية في اتخاذ القرارات والسياسات القائمة، وفي تحديد ستراتيجية اقتصادية بعيدة المدى، وتوظيف الكفاءات ضمن معايير محددة، والابتعاد عن الفردية في ادارة المشاريع النفطية بما يحقق العدالة ومشاركة الجميع من المعنين. لقد اثبت التجربة الاقتصادية بان المؤسسة التي تتمتع بالحكم الرشيد تحقق ارباح اعلى وتستقطب انظار المستثمرين بدرجة اكبر. اما بخصوص عائدية الموارد للمواطنين: تأتي اهمية هذه الحالة من انها تجسيد لما ورد بالدستور، وعودة للممارسات الطبيعية التي بموجبها تمول الحكومة نشاطاتها في انتاج الخدمات العامة من خلال الضرائب. ان هذه العودة تدفع المواطنين بمتابعة برامج الحكومة وتخلق درجة عالية من مسؤولية الحكومة في تحقيق الصالح العام. ويتعزز دور هذه السياسة اذا ما كان هذا التوزيع لموارد النفط وفق مبدأ الموطنة الصالحة والانتماء الاجتماعي للفرد.

3. ثوابت الثروة النفطية

سبق لي ان  نشرت في جريدة الصباح في 4  كانون الاول 2007  مقالة اشرت فيها : حتى لا يكون النفط  مصدراً للخلافات السياسية لابد من تبني الثوابت الخاصة بالثروة النفطية والتي تتضمن ما يلي:

•أ‌-   ان النفط ثروة وطنية ويجب ان ينظر اليه كمصدر ناضب ومن ثم هو حق لجميع الاجيال،  وان النفط ملك لكل العراقيين بغض النظر عن المنطقة المنتجة وغير المنتجة.  وعليه فان التصرف به محكوم بالحكومة الاتحادية التي تمثل الجميع (وليس للمناطق او الاقاليم) والتي من مسؤوليتها  تخقيق عدالة توزيع عوائده والتي تعني عائديتها للمواطنين.

ب. ان العامل الاقتصادي مهم في الحسابات السياسية، وعليه يعدُّ النفط  في الظروف الحالية ثروة ستراتيجية ومصدرا لتدعيم السيادة والوحدة الوطنية في الداخل ولتعظيم مكانة العراق في الخارج، حيث تبلغ نسبة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي للعراق بحدود 55% ويشكل 92% من ايرادات الموازنة الاتحادية

جـ . يعدُّ النفط حاليا المصدر الرئيسي لاعادة اعمار وتنمية العراق ومن ثم هناك ضرورة قصوى لاستغلاله استغلالا وطنيا مناسبا.  وعليه فلا يجوز الافراط  في انتاجه تحت اي ضغوط دولية، اذ يجب ان يتحدد سقف الانتاج بالمتطلبات الاقتصادية وفي ضوء تطور انتاج مصادر الطاقة البديلة.

د.  ان النفط مادة اساسية لقيام الكثير من الصناعات البتروكمياوية التي يمكن ان تعزز مكانة العراق الصناعية والزراعية وترفع من قدراته العالمية التنافسية المتدنية، والحقيقة ان القيمة الاكبر للنفط في تصنيعه وليس بمجرد انتاجه

هـ. ان صناعة النفط حاليا تتطلب  التعاقد مع الشركات الاجنبية  للحصول على الامكانات والتقنيات الحديثة. وعليه فان التعاقد يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار كفاءة الشركات والبعد السياسي لها وبما يعزز استقرار العراق.  ان اعتماد وجود متوازن للشركات الاجنبية يجب ان يكون هدفا  بحد ذاته، فان ذلك يعني اعتماد وجود متوازن للمصالح الدولية في العراق. ومن الواضح فان عملية التنقيب والاستخراج لها أبعاد سياسية مع دول الجوار الجغرافي لوجود تداخل بين الحقول النفطية (كما ان هناك تداخلا بين الحقول للمناطق المنتجة الوطنية). وان الأنتاج لا يتوقف على عملية الاستخراج بل هناك عمليات اخرى كالتسويق والنقل التي تتعلق بالتفاوض مع الدول الاخرى.  ومن الجدير ذكره فان الالتزام الكامل بالشفافية بنشر العقود وتقاريرالانتاج والحسبات المالية دوريا.

ر. من الضروري العمل على ادارة شؤون النفط من قبل شركة عراقية متخصصة تعتمدي في تشكيلها وادارتها “الحكم الرشيد” لما لها من ابعاد سياسية واقتصادية حميدة.   وعليه من الخطأ الفادح ان يخضع النفط كثروة ستراتيجية للتساوم السياسي والمخاصصة اللذان من شانهما الاضرار بالعوائد المالية للنفط،

وعلى اساس ماتقدم من الضروري ان يخضع تخطيط السياسة النفطية للثوابت المشار اليها فقط،  ومن الضروري  مراجعة الدستور لغرض ازالة الغموض الذي يعطي مبرر لتعدد التفسيراتان تغيب الثوابت النفطية يفتح الباب على مصراعيه لصراعات سياسية لا تحمد عقباها.  من الامثلة على التجاوزات تلك التي  طفحت مؤخرا بزفيرها على واجهات الاعلام  ومن منطقة واحدة الان ونخشى تكرارها في مناطق اخرى من العراق:

•1.   قيام حكومة اقليم كردستان (بعيدا عن علم الحكومة الاتحادية)  بتوقيع  اكثر 40 عقدا للاستكشاف والتطوير(الموقع الالكتروني لحكومة اقليم كردستان) وكانت طبيعة هذه العقود المشاركة في الانتاج. وترى الحكومة الاتحادية بان غياب شفافية هذه العقود حال دون الاعتراف بها ومن ثم القبول بدفع تكاليف استخراج النفط ضمن هذه العقود.  

2. تبلغ الطاقة الانتاجية لحقول الاقليم (300) ألف برميل يوميا بحسب تصريح وزير الثروات الطبيعية في كردستان، في حين ان بيانات الاقليم التي تقدم للحكومة الاتحادية تؤشر (175) ألف برميل يوميا، وعليه فهناك فرق قدره (125) ألف برميل يوميا!!

3. قيام حكومة الاقليم بتحديد مساهمتها بالايرادات العامة الاتحادية بأقل من المحافظات الاخرى المنتجة.  فلو تم افتراضاً سعر بيع النفط 100$ للبرميل الواحد فان حكومة الاقليم تساهم بـ 70%، ويحتفظ بـ 10% كريع  و20% للشركات المنتجة، بينما تساهم المحافظات المنتجة للنفط بـ 96%، وتحتفظ بـ  2% كتكاليف انتاج و 2% حصة المحافظة المسماة بـ”البترودولار” .

4. قيام حكومة كردستان (بعيدا عن علم الحكومة الاتحادية) بالاتفاق مع الحكومة التركية لمد انبوب نفطي لنقل النفط تدعيما لاستقلال السياسة النفطية للاقليم.

5. قيام حكومة الاقليم بقطع امدادات النفط الى الموانئ التركية، بسبب عدم موافقة الحكومة الاتحادية على دفع تكاليف الاستخراج، حيث تدعي الحكومة الاتحادية بعدم معرفة طبيعة العقود وتكاليفها الحقيقية.

(المصدر : الرسالة المفتوحة الى مجلس النواب في 4 اب 2012 من قبل الخبير النفطي حسين محمود المهيدي)

وفي الختام لاشك ان التجاوزات المشار اليها اعلاه تمثل سابقة خطيرة لكل المحافظات المنتجة، وبالاشارة الى تقرير البنك الدولي (Economic Growth & Conflict in Middle East & North Africa 2012) والذي يحذر من حدوث اضطرابات وصراعات في الدول التي تعاني من انقسامات دينية او جغرافية ولا تتمتع بمصداقية الحكم الرشيد (حتى لو حققت نموا اقتصاديا)، نجد من الضروري ابتداءً الاتفاق على الثوابت الخاصة بالنفط والتي من خلالها يجب صياغة مفردات قانون النفط والسياسات النفطية. وضرورة تبني سياسة عائدية موارد النفط للمواطن ( بدلا من الحكومة).

ان تجاوز حالة التقهقر والشقاء (المشار اليها في المتن) تأتي من

 اولا: الاهتمام باشباع احتياجات المواطن الاساسية  والمتمثلة بالتربية والتعليم والبلوغ بهما الى حالة متقدمة وباسرع وقت ممكن (لما لهما من وفورات واثار ايجابية على بقية المرافق المختلفة) ومن لارتقاء بخدمات الصحة والاسكان … الخ  ونظرا لمحدودية امكانية الخكومة في تقديم تلك الخدمات في المدى القصير لابد للحكومة من التعاقد مع الشركات الرصينة بألية “عقود مشاركة القطاع الخاص للعام”.  لاشك ان توفر هذه الخدمات سوف يعمل على رفع درجة المسؤولية عند الفرد ويعمل على تحقيق المواطنة الصالحة والتي هي دعامة اساسية لسيادة القانون.  ان بلوغ سيادة القانون يعتبر الشرط الضروي لبلوغ التطور الاقتصادي والسياسي.

وثانيا: اصلاح القوانين والاجراءات للانطلاق بالعراق وفق مبادئ واليات السوق، وتجاوز الحالات السلبية المعيقة للانجاز والتي تساهم في تخلف بيئة الاعمال الاقتصادية المتمثلة بعدم الشفافية والفساد.  وتطبيق متطلبات الحكم الرشيد المتجسدة بالتخطيط لرؤيا قتصادية وتطبيق مستلزمات الكفاءة والتخلص من المحاصصة واعتماد العدالة والشفافية.

Comment here