الاقتصاد العراقي الاسرع نموا في العالم باتجاه مفترق طرق

الاقتصاد العراقي الاسرع نموا في العالم

صدر عن مصرف America Merrill Lynch (BAML) في الولايات المتحدة الامريكية تقريرا يبين ان العراق سيحقق اعلى معدل نمو للعامين 2012-2013 على مستوى العالم، واظهرت بيانات وول ستريت المصرفية (Wall Street bank’s data) بأن العراق سيحقق أعلى معدل نمو في الناتج المحلي الاجمالي (GDP) لعام 2012 والذي يبلغ 10.5%، وتأتي الصين بالمرتبة الثانية بمعدل 7.7% وان افضل عشر اقتصاديات في العالم لن تتجاوز معدل نموها يقدر  5.5% لنفس السنة. وافاد نفس المصدر أنه في عام 2013 سيحقق الاقتصاد العراقي  اعلى معدل نمو يساوي 8.2% وتليه الصين. وفي تقرير اخر لوحدة المعلومات الاقتصادية (Eeconomist  intelligent unit) توقع معدل نمو للاقتصاد العراقي يبلغ 8.5٪ في عام 2012 و 8.2٪ في عام 2013.  ان النمو المتوقع المشار اليه اعلاه يعود بشكل رئيسي الى النجاح الذي حققته وزارة النفط والذي ادى الى الزيادة في انتاج النفط لاكثر من 3.3 مليون برميل باليوم، وقد تحقق هذا التقدم نتيجة عقود جولات التراخيص التي ابرمتها الحكومة العراقية مع الشركات النفطية العالمية لتطوير الحقول.

الحقيقة ان العراق حقق تقدم في المجال السياسي والاقتصادي، فعلى الصعيد السياسي حقق تقدماً ملموساً من خلال: تطور ممارسة الفرد للحرية الشخصية والفكرية والسياسية، وبالممارسات الديمقراطية والمتمثلة بالاستفتاء على الدستور وبأجراء الانتخابات العامة والمحلية، وكذلك بتبني تشريعات داعمة للامركزية، حتى اصبح العراق بحق علامة فارقة في المنطقة العربية رغم التحديات والنواقص التي تعتري طريق العملية السياسية. وعلى الصعيد الاقتصادي حقق العراق نجاحات مختلفة للفترة من 2004 -2011  منها:

1ـ انخفاض نسبة البطالة من 51% الى 15%. 2ـ انخفاض الفقر من 54% الى 23%. 3ـ انخفاض نسبة التضخم من 65% الى 6%. 4ـ ارتفاع نسبة خدمات الصرف الصحي وشبكة المجاري من 6%  والى  36%. 5ـ ارتفاع انتاج الطاقة الكهربائية من 3500 الى 7500 ميغاواط. 6ـ ارتفاع حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي من 3000 الى 5000 دولار. 7ـ انخفاض الدين العراقي من 127$ مليار دولار الى 54$ مليار دولار.

إلا ان قدرة الجهازالحكومي على توفير الخدمات الاساسية لا زالت دون المستوى المطلوب بسبب عدم حصول نقلة نوعية في الادارة الرشيدة للمؤسسات العامة، حيث نجد ان 20% من العوائل غير راضية عن الخدمات الصحية والاسكان، و 30% عن مستوى الخدمات التعليمية، و 60% عن الخدمات الاخرى كل الماء والكهرباء(حسب بيانات وزارة التخطيط).

الخطورة تكمن بالزيادة المتصاعدة والهائلة للعوائد النفطية، مع استمرار تلكؤ القطاع العام والخاص في تنفيذ المشاريع الخدمية (التي من شأنها توفير الخدمات الاساسية للمواطنين)، واستمرار الضعف في تطبيق مفردات الادارة الرشيدة  بالمؤسسات العامة ، ستقود الى تأجيج الانقسام السياسي والطائفي والقومي الى صراع لا تعرف مدياته  (بحسب تقارير البنك الدولي).

 

الحقيقة الان ان العراق على مفترق طرق واما الحالات التالية:

1- المتفائلة: تتطلب هذه الحالة: (أ) رفع مؤشرات التنمية البشرية من خلال الاستثمار في البنى التحتية الضرورية لغرض الوصول الى توفير الاحتياجات الاساسية للمواطن من الخدمات العامة وبالاخص التعليم لرفع امكانياته الفكرية والعلمية الداعمة للتطور وتحقيق الحكم الرشيد وسيادة القانون. (ب) اصلاح القوانين والاجراءات التي باتت معيقة للتطور لأجل خلق بيئة داعمة للنهوض بالنشاطات الاقتصادية لايجاد قاعدة تنافسية في عالم تسوده العولمة. ووفقاً للشرطين اعلاه يتوقع ان تتنوع نسب مكونات الناتج المحلي بحيث تكون نسبة مساهمة النفط دون 30%، ومع فرض بلوغ هذه الحالة يعني تحقيق قدر كبير من التطور والرفاهية الاقتصادية للمواطن.

 2- الفرصة الضائعة: هي الحالة التي تتحقق بها اصلاحاً للقوانين الداعمة للتغيير ولكن بعيداً عن تحقيق التنمية البشرية وسيادة القانون. وبعبارة أخرى ان الحكومة تقوم بالاجراءات الضرورية من قبل تشريع القوانين والاجراءات الداعمة للاصلاح الاقتصادي، ولكن يبقى غياب سيادة القانون (المحاصصة) والادارة الرشيدة تحديا في تنفيذ المشاريع الاقتصادية بما فيها البنى التحتية. وعليه يتوقع ان تكون مساهمة النفط في الناتج المحلي باكثر من النصف.

 3- خيبة الامل: هي الحالة التي لا تتحقق بها اصلاحا للقوانين الداعمة للتغيير لكنه تتطور فيها التنمية البشرية وسيادة القانون.  وتأتي خيبة الامل من ان تقدم مؤشرات التنمية البشرية وتوفر ملكات سيادة القانون والادارة الرشيدة لا يجد مقابله البيئة القانونية الساندة والحاضنة للتغيير والتطور. ويتوقع ان يكون هيكل الانتاج المحلي الاجمالي مهيمناً عليه بدرجة اقل من قبل القطاع النفطي، وذلك بسبب زيادة مساهمة القطاعات الاخرى نسبياً. 

4- اليأس: هي الحالة التي لا يحدث بها اصلاحا للقوانين ولا تحدث تطوراً في التنمية البشرية وسيادة القانون.  في هذه الحالة تكون تكون نسبة مساهمة قطاع النفط طاغية على بقية مكونات الناتج المحلي الاجمالي وباكثر من 50%. لعل الحالة التي يمر بها العراق بالوقت الراهن والتي تتصف: بعدم إقرار وتشريع القوانين المهمة كقانون النفط والغاز والبنى التحتية وقانون الأحزاب وغيرها، واستمرار تدني مؤشرات التنمية البشرية (بسبب ضعف تقديم الخدمات العامة) تمثل الحالة الرابعة “اليأس”.  

 مما تقدم نجد ان الامر يستلزم حلاً حاسماً وواقعياً يتجسد في تبني اسلوب جديد للاسراع في بناء البنى التحتية. وهذا الحل يتضمن تبني “عقود مشاركة القطاع الخاص للعام” كخيار ستراتيجي في المرحلة الحالية، وكبديل لاسلوب التعاقد القائم والذي من خلاله يمكن تجاوز مشاكل كل من عدم كفاية التخصيصات الحكومية، ومعالجة نقص كفاءة الاداء في تنفيذ المشاريع. ويمكن من خلال هذه العقود اعادة تأهيل القطاعين الخاص والعام، وذلك من خلال توئمة المؤسسات المحلية مع الشركات الاجنبية المتعاقد معها، ومن ثمار هذه العقود نقل التكنولوجيا وتقاليد العمل الحديثة.

تعتمد التنمية الاقتصادية في كثير من دول العالم على الدور القيادي للحكومة (كما هو الحال في سنغافورة وماليزيا والبرازيل والصين)، وفي العراق بات في ظل تداعيات العملية السياسية وانعكاساتها السلبية على عدم اتخاذ القرارات وتشريع القوانين الضرورية، ولا يخفى بأن الأمر يتطلب قيادة غير تقليدية بل مهنية – تكنوقراطية متجردة عن الانتماء السياسي ـ . لقد كشفت السنوات الماضية ان المنافسة السياسية التي اغرقت المؤسسات والدوائر بافراد لا يتمتعون بالقدرة على الانجاز ولا الخلفية المناسبة لاقتطاف ثمار التدريب والتأهيل. كما حالت السياسة القائمة من استقطاب الكفاءات العراقية ومنحهم الامتيازات المادية التي تتمتع بها الطبقة السياسية (كما حصل ذلك في دول مثل تركيا وماليزيا والكورية). وعلى كل تقدير فان قيام مجلس أو هيئة إعمار أمر يجنب الوطن من مخاطر القرارات او السياسات غير الصائبة.

اخيرا ان الديمقراطية في العراق لا زالت تختزل وتحتكر العمل الوطني من خلال العمل السياسي الحزبي     ( الذي لا زال لم ينظم عمله بقانون ! )، اما المؤسسات غير الحكومية وغير السياسية فهي محاصرة باجراءات وقوانين غير مرنة كما انها لا تتمتع بأي دعم حكومي.  ان قهر المنظمات غير الحكومية بهذا الشكل سوف يحرم المواطن من معرفة حقيقة الامور كما حصل ابعاد تشريع قانون البنى التحتية، وتعطيل اصلاح البطاقة التموينية، وتأخر انضاج سياسة تنمية اقتصادية. ان دعم منظمات المجتمع المدني يمثل مساهمة في بناء صرح الديمقراطية والتنمية.

Comment here