دكتور مظهر محمد صالح :جزيرة السعادة

جزيرة السعادة

الكاتب:د. مظهر محمد صالح

في غروب يوم داكن وظلمة ثقيلة اقتاد خفر السواحل ذلك القارب الحزين المكتظ براكبيه ممن ذاقوا مرارة الكفاح من اجل البقاء وهم بلا مأوى ولامال ولامعين ،بعد ان امضى راكبو ذلك القارب اسابيع بين الامواج العالية والعواصف البحرية العاتية لبلوغ هدفهم وهو سواحل استراليا الشرقية كخيار وحيد امامهم،وإلا الضياع في عمق البحر او الموت بين فكي اسماك القرش.خاطبت سارة امها وهي في سن العاشرة ،الى اين يذهب بنا هؤلاء الرجال من خفر السواحل ياأماه؟وهل سنذهب حقاً الى كامبيرا ،حيث لفائف الهمبرغر الساخنة التي سنتناولها في مطاعم ماكدونالد هناك؟
وهل ساكمل دراستي حقاً في واحدة من المدارس الاسترالية حيث التعليم الراقي ،كما وعدتني يااماه؟ ومتى سأشاهد العمران الجميل المرتفع عن الارض وزحام الطرقات وانا ارفل بالثياب الجميلة ؟اجابت الام ،والحزن يلف اساريرها ، كلا يا ابنتي! اننا معتقلون الان واصبحنا في منزلق خارج دائرة اللجوء الانساني! صرخت
البنت…
اُماه اين يذهبون بنا؟ اجابت الام الى جزيرة السعادة، انها جمهورية(ناورو) في اقصى المحيط الهادئ ،لكي نزج في السجن الذي خصص لنا هناك !بكت ماريا واحتضنت ابنتيها وانتهت في واحدة من زنزانات سجن العاصمة(يارين) وامسوا جميعاً يعيشون في دنيا متقيحة بقساوة الحياة بلا مأوى ولامال ولا مُعين.
اللافت ان جمهورية(ناورو)هي واحدة من أصغر الجمهوريات في العالم والتي نالت استقلالها في العام 1968.كما ان مساحتها لاتتعدى21 كيلومترا مربعا و عدد سكانها هو الاخر لايزيد على 10آلاف نسمة ،.وقد اقامت استراليا في ناورو سجناً على سبيل المساطحة لاُولئك الذين لم يحالفهم الحظ في بلوغ البر الاسترالي، قبل إعادة
ترحيلهم !.
اطفأت انوار السجن في ليلة صيف حالكة وشرطي السجن آدم يتصيد ماريا وابنتيها ليمارس الاعتداء الجنسي على أي صيد منهم يقع في يده…!ارتعشت اطراف ماريا غضباً وأفعم قلبها يأساُ وغماً،ونظرت الى آدم فاذا به مبتسماُ هازئاً سادراً،فجن جنون ماريا،وارتمت عليه ناشبة أظافرها الطويلة في عنقه، ذلك قبل ان يرتمي عليها،ولم تفاجئه على الرغم من حركتها المباغتة،فتلقاها من فوره بحربته وقبض على ساعديها ثم تخلص منها طعناً حتى الموت والابتسامة الهازئة لاتفارق شفتي آدم!!
وفي خضم الهيجان والتمرد أحرق المهاجرون السجن ومات من مات وتعرضت الابنتان ساره واختها الى التشرد والاغتراب .
ختاماً، وقعت (استراليا)في 26 ايلول الماضي اتفاقاً مع( كمبوديا) يقضي بارسال اولئك اللاجئين من ناورو الى معسكرات نظيرة في كمبوديا .
وقد اودعت الفتاتان الصغيرتان سارة واختها، بعد ان فقدتا امهما في جزيرة السعادة على يد آدم، وانتهتا في معسكر اللاجئين في كمبوديا، ليحصلا يومياً على حفنة من الرز المطبوخ وقليل من لحم الخنزير… وهن يبحثن عن الامل بلا أم ولا مال ولاوطن!!.

Comment here