د.جواد الهنداوي:أراؤنا في تعديل الدستور الاتحادي العراقي و إصلاح النظام السياسي

د . جواد الهنداوي

    • أستاذ لمادة القانون في الجامعات الفرنسية ١٩٩١- ٢٠٠٤
    • سفير لجمهورية العراق ٢٠٠٤-٢٠١٨
    • رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات في ٢٠١٩/١١/١٧
    • هل نسعى لنظام برلماني أم رئاسي أم شبه رئاسي ؟(الحلقه12 )

    يطرحُ و يتداول سياسيون و إعلاميون و نواب و أخرين أرائهم بتعريف طبيعة النظام السياسي في العراق .يرى البعض بأنْ يكون النظام برلماني ، ويرى البعض الآخر بأنَّ الأصلح للعراق هو النظام الرئاسي ، ويجتهدُ أخرون بمناسبة و بملائمة النظام شبه الرئاسي للعراق .
    تُعلّمنا تجارب الدول و الأمم في التطبيقات الدستورية بأنَّ ألمرجِعْ او المصدر المُلهِمْ للدستور ، عند كتابة وصياغة نصوصهِ ، ليس عنوان النظام السياسي ( برلماني او رئاسي او شبه رئاسي ) ،و إنما ما يحتاجه الشعب و ما تحتاجه الدولة من نظام ،من دستور .
    اي ،علينا صياغة دستور يناسب و يلائم ظروف المجتمع والدولة و يساهم في أمن و استقرار و تطوّر المجتمع والدولة . ليس مهم العنوان ( برلماني او رئاسي او شبه رئاسي ) . بعبارة أخرى ،لا ينبغي ان يكون هدفنا ،عند إصلاح او تعديل او تغيير الدستور ، هو الوصول الى نظام برلماني او نظام رئاسي او نظام شبه رئاسي ، و إنما الهدف هو ان نصلُ الى إنجاز دستور قادر على تأمين الأمن و الاستقرار والتطورّ للمجتمع ،للشعب و للدولة و المواطن .
    لو نراجع الدستور الفرنسي مثلاً ،لا نجد فيه مادة او فقرة تُعّرف طبيعة النظام السياسي للجمهورية الفرنسية ، ليس في الدستور ذكر او إشارة الى أنَّ النظام السياسي هو نظام شبه رئاسي . كذلك الحال في ألمانيا ، الدستور الألماني الاتحادي ،و الذي يُسمى بالقانون الأساسي الموحد لعام ١٩٤٩ ، لا ينصُ على طبيعة النظام السياسي . ذات الامر بالنسبة للدستور الإيطالي ، والدستور الامريكي، و الدستور المصري . غالباً ما تتجنب السلطة التأسيسيّة للدستور او لجنة صياغة او تعديل الدستور ، في اغلب الدول ، تعريف او تحديد طبيعة نظام الحكم ( رئاسي او برلماني او شبه رئاسي ) ، يُتركْ هذا الامر لأهل الاختصاص في القانون والقضاء و الباحثين في العلوم السياسية ، تعريف ذلك ،على ضوء تقييم شامل وعام للنصوص التي وردت في الدستور ، وخاصة العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية .
    المادة الأولى من الدستور الاتحادي العراقي تنصُّ على ان نظام الحكم نيابي (برلماني ) …
    وحقيقة الامر، وكما أظهرت تجربة تطبيق الدستور لما يُقارب خمسة عشر عاماً، نظام الحكم هو مجلسي (نسبة الى مجلس النواب ) ، ولم يكْ بالنظام البرلماني ، لأسباب ،منها هو عدم وجود هيئة برلمانية ثانية (مجلس الاتحاد )،ولفقدان التوازن في السلطات والصلاحيات بين مجلس النواب والسلطة التنفيذية،المتمثلة في رئاسة الوزراء .
    ما هو المعيار الذي يعتمدهُ الدستوريون والمختصون في القانون لتعريف طبيعة النظام السياسي ،و للتمييز بين هذا وذاك ؛ هذا رئاسي وذاك شبه رئاسي ،هذا برلماني و ذاك رئاسي ؟ المعيار هو مساءلة الحكومة . فإذا كانت الحكومة (ر.الوزراء والوزراء ) مسؤولة أمام مجلس النواب ، فالنظام السياسي يوُصف بانه نظام برلماني ، واذا كانت الحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية ،فالنظام يوُصفْ بانه نظام رئاسي . هذا هو المعيار .
    مبدأ التوازن بين السلطات لحكم الدولة هو مبدأ أساسي ،سواء كان نظام الحكم رئاسي او برلماني .اي التعاون والتنسيق بين السلطتيّن امرٌ أساسي ، وينبغي ان يكون لكل سلطة وسائل ضغط على السلطة الاخرى ، والهدف هو المصلحة العامة ومنع احتكار السلطة. وهذا ما لانجده في نظامنا السياسي ،حيث سلطة مجلس النواب ،كما ذكرنا ذلك في حلقات سابقة ، تحتكرُ (تقريبا ) ممارسة التشريع، والرقابة على الاداء ، و سحب الثقة و اقالة الوزير ، و وفقاً لمبدأ التوافق ( مبدأ التراضي و التغاضي بين الأحزاب )في مجلس النواب ، وليس وفقاً لمبدأ الأغلبية السياسية او النيابية كان للاسف ،تطبيق مبدأ التوافق ، على حساب المصلحة العامة.
    ليكنْ سعينا ليس لنظام رئاسي او نظام برلماني، و إنما لنظام يسمح ببناء الدولة وتسيير الشؤون وتجنّب الفساد،و يحققّ التوازن المطلوب بين سلطة رئيس الوزراء وسلطة مجلس النواب و عمل وصلاحيات مجلس الاتحاد .
    ليكنْ سعينا لنظام سياسي يؤمن في الديمقراطية المباشرة ،التي تسمح للشعب بممارسة الاستفتاء و انتخاب مباشر لرئيس الجمهورية ،كي يصبح لرئيس الجمهورية الشرعية السيادية في اتخاذ الوسائل الدستورية الكفيلة عند الأزمات، وكي نتحرر من التوزيع الطائفي او القومي في رئاسة السلطات الدستورية .
    ليكنْ سعينا لنظام سياسي يؤمن بأنَّ السيادة للشعب وليس للقانون لذا ،اقترحنا ،في الحلقة رقم ( ١) بتعديل المادة رقم (٥) من الدستور ولتُعاد صياغتها لتكن ” السيادة للشعب و هو مصدر السلطات ” . وهذا ما تنصُّ عليه كافة دساتير دول العالم .

    Comment here