مارس 30, 20210
الاهداف الذكية : بين النجاح والفشل
الاهداف الذكية :بين النجاح والفشل
د. مظهر محمد صالح
كنت أتطلع بشغف على مدى التطورات الحاصلة في علم الادارة الحديثة ولاسيما في عصرنا الرقمي الراهن ذلك في نصوص رائعة كانت تتصدى لموضوع عنوانه الاهداف الذكية.والتي تقول:
يهدر الكثير من الأشخاص حياتهم في الانجراف من عملٍ إلى آخر، أو في الإسراع بالعمل محاولين تحقيق المزيد من الإنجاز، بينما هم في الحقيقة يحققون القليل جداً. لذا فإنّ وضع أهداف ذكية “SMART” يجعل باستطاعتك توضيح أفكارك وتركيز جهودك واستثمار وقتك ومواردك، وزيادة فرصك في تحقيق غاياتك.
فكلمة “SMART” هي اختصار يرشدك إلى كيفية تحديد الأهداف والتي عادةً ما تُنسب معاييرها إلى مفهوم “الإدارة بوساطة الأهداف” لـ”بيتر دراكر”. وقد تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة في القضية التي تناولها “جورج دوران” في تشرين الثاني من العام 1981 والتي كانت بعنوان “مراجعة الإدارة”. اذ يقول “روبرت روبن” بروفيسور الإدارة في جامعة “دي باول” بأنّه ومنذ ذلك الحين أصبح معنى مصطلح “SMART” يختلف من شخصٍ لآخر، كما هو واضح في ادناه: لكي تتأكّد من أنّ أهدافك واضحة ومُمكنة، فيجب أن يكون كلٌّ حرف منها مؤشرا نحو بلورة الهدف الامثل :فالحرف الاول (S)يشير الى كلمة ”Specific ” مُحدداً .وهي ان يكون الهدف بسيط، ومعقول، ومهم.اما الحرف الثاني (M) فيشير الى كلمة ”Measurable” اي ان يكون الهدف قابلاً للقياس (ذو معنى، مُحفّز). وهكذا لبقية الحروف التي تقابلها كلمات لتوصلنا جميعاً الى الهدف الامثل ،مثل الحرف(A) ويشير الى كلمة”Achievable” اي ان الهدف قابلاً للتحقيق (او متفق عليه ومن الممكن الوصول إليه).والحرفين (R,T) يشيران الى الكلمتين المقابلتين لهما بالانكليزية وهما :”Relevant” اي مهما بدا لك الهدف من الناحية الشخصية فهو واقعي ومرتبط بموارد ومبني على النتائج). واخيرا””Time Bound اي ان الهدف مُحدد بإطار زمني ويعتمد على الوقت، ومرتبط بفترة زمنية معينة. وقد لاحظ البروفيسور “روبن” أنّ تعريف هذا الاختصار قد يحتاج إلى التحديث، بحيث يعكس أهمية الفاعلية والتغذية الارتجاعية feedback.وعلى الرغم من ذلك فإنّ بعض المؤلفين توسّعوا فيه بعض الشيء لكي يتضمّن التركيز على أمور إضافية، كأن يصبح الاختصار مثلاً “SMARTER” أي الأهداف الأكثر ذكاءً والتي تتضمن بالإضافة إلى ما سبق “Evaluated” اي إمكانية تقييم الهدف و”Reviewed” إعاة النظر فيه (أي أن يكون الهدف قابل للتعديل عند اللزوم).وهكذا فبين الحجة الادارية والحجة الفلسفية في موضوع الاهداف ،قدم المفكر العراقي والكاتب في الاجتماع السياسي الاستاذ رؤية ملهمة عند تناوله موضوع الاهداف الذكية في تجسيده لفكرة (الصيد ). فعندما تبدا مواسم هجرة الطيور ونحن في مطلع اليوم الاول من الربيع تناول العادلي قائلاً:
• الكُل صياد (ماهر)، فَلِمَ (الغنيمة جيفة)؟!
• لا تصطاد إِن لم تكن (حاذقاً)، ستفترسك الفرائس.
• كلما عزَّ (الهدف)، ندر (الصياد).
• الفرائس (السهلة)، غنائم (باردة).
• القائد صياد (فُرص)، واِلا (صادته) الفُرص.
• حين تموت (الجرأة)، يموت (الصيد) معها.
• يبكي السلاح بيد صياد (مُرتجف).
• مَن لا يعرف (المواسم)، لا يعرف (توقيت) الصيد.
فعندما نقارن بين (حسين العادلي )وبين
(بيل كوبلاند ) الكاتب والمؤرخ والشاعر الامريكي الشهير(١٩٤٦-٢٠١٠) نتلمس مشتركات يقول فيها كوبلاند : (إنّ مشكلة عدم تحديد الأهداف هي أنّها تجعلك تهدر حياتك في العمل الشّاق لكن دون تحقيق أيّة نتائج تُذكر. فهل سبق وان شعرت بأنّك تعمل بجد ….لكنّك لا تحصد الشيء الكثير في مختلف المجالات ! ….عندما تعكس هذا العمل على السنوات الخمس أو العشر الأخيرة من حياتك، فقد تُشاهد تحسُّناً طفيفاً في مهاراتك أو إنجازاتك. أو ربما تكون في صراعٍ مع الذات محاولاً معرفة كيفية تتحقق طموحاتك، ولاسيما خلال السنوات القليلة القادمة.
من صفوة الكلام ، مازلت شخصيا ابحث عن المسارات التي تنحرف فيها السهام لتذهب بعيداً خارج اهدافها وكيف يبخس الصيد نفسه خارج مواسمه .
فالحياة مازالت تدفع بنا كثيراً نحو فرصها الضائعة بالسعي الجاد بين حفر غادرها الصيد بعد ان فقدت بوصلتها اهدافنا الذكية . ومازلنا نحن نتعثر بحثاً عن صيدنا ببوصلة مبهمة الاتجاهات .فبلغت سعادتنا الذروة عندما عثرنا في نهايات البراري على حيوانات نافقة قوامها النطيحة قبل المتردية، لنرى فيها كشفا عظيماً كي نجدد فيها حياتنا وكسبنا ونحن مازلنا نسير بها فرحاً نحو الادنى دون الاعلى بين الغنائم الباردة طوال الليل في تيهان اسمه الصيد الضائع .
فقد فرغت المدينة من صياديها منذ الفجر وغادروها الى جهة واحدة هي البرية وهم يستظلون بحثا عن اهدافهم الذكية بين اشرطة الشمس اللامعة ويتلمسوا بدقة نبضات مواسمهم في فلاة ارتجفت خوفا من شكيمتهم ،تؤازرهم رزنامة وقت محكمة ،لا تاخر الزمن ولا تتخطاه وأدوات صيد قلما تخطي.. !.
وبين هذا وذاك فما زلنا نحن نتعثر ،طوال ظلمتنا ،بين الحفر نبحث عن غنيمة في فرصنا الضائعة لنعود بها الى مدينتنا التي خلت من صياديها فجراً و أيدينا المرتجفة تحمل فرحة صيد عارمة قوامها اللاشي من الجرأة وحصيلتها خيبة امل لا تنقطع .
ختاماً،ما اجمل من يلامس منطق الحياة وغاياتها ويدق جوهرة اسمها الاهداف الذكية بصيده ليسبق فيه حلوه قبل مره.
Comment here