فبراير 4, 20210
دكتور مظهر محمد صالح : الاحتكار الراسمالي يخترع نفسه رقمياً /الجزء الثاني
الاحتكار الراسمالي يخترع نفسه رقميا / الجزء الثاني
د.مظهر محمد صالح
اما اليوم وفي ظل عولمة راس المال ونشوء الشركات المتعددة الجنسيات ،فقد امست ظاهرة (التسعير المحول – pricing transfer )هي محور تطور الاحتكار العالمي في القرن الحادي والعشرين .اذ ينصرف مفهوم (التسعير المحول) الى عملية تحديد اسعار السلع والخدمات المباعة بين الكيانات القانونية التي تخضع للسيطرة ضمن الشركة الواحدة .فعلى سبيل المثال قيام شركة تابعة ببيع منتجاتها الى الشركة الام ،فان كلفة السلع المدفوعة الى الشركة التابعة هي التي تسمى : بالتسعير المحول .اذ ان نسبة 30 بالمئة من الاستثمارالاجنبي المباشر مازال يتركز في مناطق استثمارية عالمية تعرف( بالملاذات الضريبية ) والتي تعد واحدة من المرتكزات الاساسية للتسعير المحول و تعني هنا تحديداً ان الشركات الاحتكارية تتذرع بان ارباحها قد تشكلت في مناطق واجزاء اُخرى من العالم ذلك من اجل التهرب الضريبي من خلال العمل في تلك الملاذات الضريبية ، الامر الذي قاد الولايات المتحدة الامريكية الى اصدار قانون الامتثال الضريبي في العام 2010 على الحسابات الخارجية المسمى( بقانون FATCA فاتكا ) لملاحقة مدخولات وثروات مواطنيها المقيمية خارج الاراضي الامريكية واخضاعها لضرائب الدخل والملكية اينما وجدت في بقاع العالم من اجل التحاسب ومنع التهرب الضريبي ولاسيما للشركات المحتكرة .
ان تعاظم حالات الاندماج بين الشركات وتوليد احتكارات اكبر صار يهدد المنافسة وشرعية قطاع الاعمال واستقرار المستوى القانوني له.فشركات تكنولوجيا المعلومات والشركات المنتجة للبرامجيات باتت اليوم تستقطب مئات الملايين من الزبائن على صعيد العالم سواء بالهواتف الذكية او التطبيقات المختلفة او اجهزة التلفاز الخفيفة المرشقة وغيرها من الاجهزة الرقمية وان المستهلكين للخدمات الرقمية صاروا هم الاخرين اكثر ميلاً بان تتجمع قاعدة معلوماتهم وبياناتهم بانماط تكنولوجية موحدة في شركاتها ،وهو الامر الذي ساعد على تسارع حالات الاندماج بين شركات المعلوماتية وتكوين احتكارات رقمية عملاقة .اذ تؤكد البيانات المتوافرة ان الشركات المتخصصة بتكنولوجيا المعلومات تقدم خدمات مجانية عن تطبيقاتها لمستخدميها في التحري والتوجيه على صعيد الولايات المتحدة واوروبا بكلفة سنوية تقارب من 250 مليار دولار لادامة نفوذها الاحتكاري على السوق العالمي.
ختاماً،تستعين الشركات الاحتكارية اليوم بأذرع عملاقة من جماعات الضغط التي تتخذ من العاصمة الامريكية واشنطن مركزاً عالمياً لها وهي تضم اليوم زهاء 30 الف شخصية من كبار العاملين السابقين في مراكز القرار في الولايات المتحدة وغيرها والتي تضع خدماتها لمصلحة الشركات الغربية الكبرى بالتدخل والتاثير في التشريعات وصنع القرارات…انها الراسمالية الاحتكارية التي تخترع نفسها وتجدد ثوبها في محيط التكنولوجيا الرقمية التي تقوي كثافة التراكم الراسمالي وتعظيم التحولات السعرية من اجل الحفاظ على الربح الاحتكاري
Comment here