يوليو 4, 20200
د.كاظم العقابي: الاصلاحات الاقتصادية في القطاع الزراعي
مقال حول المحور الخامس في الورقة الاصلاحية التى قدمها المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي
شهد الواقع العراقي منذ عام 2003 تغييرات كبيرة واهمها تحول نظام الحكم من نظام ديكتاتوري شمولي الى نظام ديمقراطي , وعلى الرغم من مرور اكثر من 17 عاما على هذا التغيبر الا ان الحكومات العراقية المتعاقبة مازالت تواجه انتقادات متزايدة حول كفاءتها ونزاهتها وقدرتها على ادارة شؤون البلاد ، اذ مايزال المواطن يشكو من نقص وتدن في مستوى الخدمات ، وتعقيد الاجراءات في معظم المؤسسات الحكومية، وتفشي الفساد الاداري والمالي وضعف في اجراءات المساءلة والشفافية ، وعدم الالتزام بمبدأ سيادة القانون، وعدم التمكن من فصل العمل السياسي عن العمل المؤسسي والذي ادى الى تدني كفاءة وفاعلية المؤسسات الحكومية ،والتراجع المؤلم في دور القطاع الخاص – الامر الذي نتج عنه حرمان المواطن من الحصول على حقوقه في التعليم والصحة والسكن والامن والاستقرار والعدل وتكافؤ الفرص والمساواة . ان غياب ركائز الحكم الرشيد وعدم الاستجابة الى احتياجات المواطنين وعدم الالتزام بمبدأ سيادة القانون كان لها الاثر المباشر في زعزعة وفقدان ثقة المواطن في معظم الاجراءات التي اتخذتها الحكومات السابقة.
وانطلاقاً من هذا الواقع فقد ظهرت المطالبات الشعبية في شهر تشرين الاول من عام 2019 بضرورة اجراء تغييرات جوهرية ومراجعة اداء الحكومة وتطويره ومعالجة اوجه الخلل الظاهرة في كافة القطاعات الاقتصادية و ضرورة ابتكار اساليب جديدة لمشاركة القطاع الخاص ودعمه وتوفير وسائل وسبل فعالة للتواصل مع المواطنين.
وبعد تفاقم الازمة الاقتصادية في العراق نتيجة للانخفاض الحاد في اسعار النفط ,قدم المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي ورقة اصلاحية شاملة تضمنت سبعة محاور مهمة تهدف الى تعظيم موارد الدولة وتقليل النفقات التشغيلية ووضع الحلول المناسبة للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي الذي يعتمد حاليا على ايرادات النفط الغير مستقرة اذ تتعرض بين الحين واخر للازمات الناتجه عن الانخفاض المفاجيء للاسعار وكان اخرها التدني الكبير في اسعار النفط الناتجة عن الازمة الوبائية “كورونا” التي يمر بها العالم حاليا ، ان تدني اسعار النفط الذي شهده العالم في مطلع عام 2020 تسببت في انتكاسة قوية لاقتصادات الدول المعتمدة على النفط ويعد العراق احد الدول التي شهد اقتصادها الانتكاسة الاقوى وذلك لاعتماده كليا على ايرادات النفط.
لقد تناول المحور الخامس من الورقة الاصلاحية الواقع الحالي للقطاع الزراعي العراقي حيث تم عرض اهم المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع والمتمثلة في ضعف اجراءات الحماية للمنتج الزراعي المحلي وكذلك ضعف الرقابة والسيطرة على المنتجات الزراعية المستوردة وارتفاع كلف انتاج المحاصيل الزراعية وضعف الدعم الحكومي المقدم الى هذا القطاع وبيان اهم القرارات الواجب اتخاذها من قبل الحكومة للنهوض بواقع القطاع الزراعي والكفيلة بخلق تنمية مستدامة.
حماية كاملة
ولعل من اهم القرارات الواجب اتخاذها من الحكومة ومتابعة حسن تطبيقها هي تلك القرارات المتعلقة في توفير الحماية الكاملة للمنتجات المحلية حيث سبق وان اصدرت الحكومة العراقية العديد من القرارات الخاصة بحماية المنتج العراقي سواء كان المنتج زراعي ام صناعي وكذلك تنظيم عملية استيراد المنتجات الزراعية من خلال اصدار الروزنامة الزراعية التي تتضمن توقيتات منع الاستيراد وبما ينسجم مع وفرة المنتج المحلي من المحاصيل الزراعية , الا ان جميع الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لم تتمكن من منع تدفق المحاصيل الزراعية المستوردة خلافا للروزنامة الزراعية والتي تمر عبر المنافذ والمعابر الحدودية الرسمية والغير رسمية وخاصة تلك المنافذ والمعابر الموجودة في اقليم كردستان . ان عدم تمكن الحكومة الاتحادية من احكام السيطرة التامة على الحدود والمنافذ الحدودية وكذلك عدم تمكن الحكومة من اخضاع منافذ الاقليم الى سلطة الحكومة الاتحادية ادت الى اغراق السوق العراقي بالمحاصيل الزراعية الواردة من دول الجوار والتي تسببت في الانخفاض الحاد في اسعار المنتج الزراعي العراقي حيث وصلت الاسعار الى درجة لم يتمكن الفلاح العراقي من تغطية تكاليف الانتاج الامر الذي تسبب في خسارة معظم الفلاحين وعزوفهم عن زراعة تلك المنتجات في المواسم اللاحقة.
ان القرارات الحكومية الخاصة في حماية المنتج تكون فاعلة متى ما اعتمدت الحكومة الاتحادية مبدأ سيادة القانون والعمل على ضبط كامل الحدود واحكام السيطرة التامة على جميع المنافذ الحدودية وبضمنها المنافذ الحدودية الموجودة في اقليم كردستان، وكذلك الالتزام التام بالقوانين والقرارات المتعلقة بحماية المنتج واعتماد اجراءات كمركية موحدة في جميع المنافذ الحدودية وتطبيق قرار مجلس الوزراء رقم 13 لسنة 2019 والذي تضمن توحيد التعرفه الكمركية واخضاع منافذ الاقليم لسلطة الحكومة الاتحادية والزام جميع المنافذ الحدودية في الاقليم والمحافظات غير المنتظمة بأقليم بتنفيذ قرارات حماية المنتج الوطني الصادرة من الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان وعند التعارض يفرض الرسم الاعلى وكذلك تطبيق الروزنامة الزراعية مع مراعاة مصالح جميع المحافظات واقليم كردستان.لقد ادرك المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي اهمية حماية المنتج المحلي وان اي حديث عن حماية المنتج المحلي يعد ضربا من الخيال دون احكام السيطرة على كامل الحدود والمنافذ الحدودية لذلك تضمن المحور الاول عدداً من التوصيات التي اذا تبنتها الحكومة سنتمكن من فرض السيطرة التامة على جميع المنافذ الحدودية لا سيما تلك التوصية المتعلقة في ا لمبا بشرة فورا باتمتة الاجراءات الجمركية وبناء نافذة التبادل التجاري التي من خلالها يتم ربط جميع الدوائر العاملة في المنافذ الحدودية بمنظومة الكترونية تتمكن من منع التعامل المباشر بين الموظف (مقدم الخدمة ) وبين التاجراو وكيل الاخراج الكمركي (متلقي الخدمة) الامر الذي سيساعد كثيرا من عمليات التهريب والتهرب الكمركي ، كما اوصت الورقة في محورها الاول بضرورة اعادة فتح المراكز الجمركية بين المحافظات وبين الاقليم لمنع مرور البضائع القادمة من المعابر الغير رسمية في الاقليم ومعاملتها معاملة البضائع المهربة وكذلك ضمان تطبيق الاجراءات لكمركية الموحدة لجميغ البضائع التي تمر عبر المنافذ الحدودية الرسمية على ان تبقى هذه المراكز الجمركية عاملة ولحين موافقة الاقليم على تطبيق جميع الفقرات التي تضمنها قرار مجلس الوزراء رقم 13 لسنة 2019. ولغرض توفير الدعم الحكومي للمنتج الزراعي المحلي تضمنت الورقة توصيات تفيد بضرورة فرض ضرائب على المحاصيل الزراعية المستوردة ومنتجاتها على ان تحسب الضريبة على اساس كلفة الانتاج المحلي داخل العراق لتحقيق تنافسية لدى القطاع الزراعي المحلي ولا بد من الاشارة الى ان كلف الانتاج في بلدنا اعلى من كلف الانتاج في دول الجوار وذلك لضعف الدعم الحكومي للمزارعين خاصة تلك المتعلقة بالوقود والطاقة الكهربائية بالاضافة الى دعم الصادرات في بلدان المنشأ مما يخلق حالة عدم التكافؤ في المنافسة السعرية بين البضاعة المنتجة محليا وبين نظيرتها المستوردة، ولمعالجة هذه المشكلة ركزت الورقة على ضرورة توفير الدعم الكامل للفلاحين والمستثمرين الداعمين للقطاع الزراعي من خلال توفير المشتقات النفطية بكميات كافية وباسعار مدعومة وكذلك خفض التعرفه الكهربائية للمساهمة في خفض كلف الانتاج.
مجمعات زراعية
كما اوصت الورقة بضرورة توجيه الاستثمار لتبني انشاء مجمعات زراعية صناعية ومحطات لتربية الابقار وتصنيع اللحوم وصناعة الالبان ومنتجاتها وانشاء مصانع الاعلاف الحديثة وكذلك دعم القطاع الخاص للاستثمار في الصناعات الغذائية التي تعتمد على المنتجات الزراعية (الصناعات التحويلية ) مثل معجون الطماطة وعصير الطماطة والدبس ….الخ، وكذلك التاكيد على ضرورة تقديم الدعم الكبير للفلاحين والمزارعين فيما يتعلق بتزويدهم بالبيوت الزجاجية و المرشات ومضخات السقي والاسمدة والمبيدات وغيرها بأسعار مدعومة قابلة للاعفاء عند تحقيق انتاج وفير و كذلك عند التصدير وتشجيع الاستثمار في الصناعات الساندة للقطاع الزراعي مثل المبيدات ومنظومات الري الحديثة والمكننة الزراعية.كما اكدت الورقة ضرورة تقديم الدعم الكامل لاقامة مناطق زراعية على غرار المناطق الصناعية كون مقومات إقامتها متاحة من خلال توفر المساحات الواسعة والمياه ومنها المياه الجوفية . وااخيرا نود ان نؤكد ان تطبيق التوصيات التي تقـــــــدم بها المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي ستساهم في تعظيم الايرادات وترشيد النفقات وتخفيف حدة الازمة المالية الــــــــتي يعاني منها العراق وستجنب الحكومة من اللجوء الى الحلول المتمثلة بتخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين كما انها ستساهم في خلق فرص عمل قادرة على ان تستوعب جزءاً من البطالة المقـــــــنعة المتــــــمثله بوجود الالاف من المـــــــوارد البشرية في المؤســـــــسات الحكومية الفائضة عن الحاجة فضلا عن انها ستساهم في توظيف اعــــــــداد غير قليلة من العاطـــــــلين عن العمل كما انها ستساهم في توفـــــــير العملة الصعبة التي تخصص لاستـــــــيراد المنتجات الزراعية.
Comment here