فبراير 5, 20210
مظهر محمد صالح: حوار السلطة الموازية في الفكر العربي :بين مرتسم (الدولة )وقرابين( الامة))
الدكتور مظهر محمد صالح
ثلاث مركبات مازالت تشكل التصدي لعلة النظم السياسية ومعلولاتها في الفكر العربي وتقود الى تكوين فكرة السلطة الموازية ،ذلك عندما تفقد الدولة لحظات نهضتها التاريخية في الحداثة والتطور واللجوء بدلاً عن ذلك الى التمسك بالواح معتقدية ،غاب عنها عقدها الاجتماعي ، اذ لم يُقدم غياب الدولة لسلطانها في تاريخ بلداننا رغيف خبز ولن ينتج دقيقاً أو دواءً او يوفر روافع تبنى مصنعًا ليعمل به العاطلون والمحبطون.
وتتخبط الدولة الغائبة السلطة بثلاثية تشكل استدامة موتها وفقدان مقدرتها الى قوة البديل وهي السلطة الموازية التي تتشكل من ((الكاهن و الحظيرة والالواح المقدسة )).؟ انها ثلاثية هلاك ((الدولة-الامة ) وتحولها الى مسمى هو اقرب الى ((الامة- القطيع )).فعلى مر التاريخ الانساني الذي انهارت فية اربعة عشر حضارة قديمة ظلت اجمل اعياد الطغاة هي نحر القطيع جمعا و فرادا احتفاءً باعياد موت (الدولة) وبقرابين اسمها الامة! كذلك لم تبتعد ثلاثية (الكاهن والحظيرة والالواح المقدسة ) في موت الدولة -الامة في تطابقها مع ثلاثية فكرية ساقها فلاسفة المغرب العربي في موضوع تفتت الدولة -الامة ونشوء الدولة -المغتربة او الغائبة وتمثلها السلطة الموازية وهي :
(القبيلة والعقيدة والغنيمة ) عبر مركبات فكر الحداثة العربية والتحليل البنيوي للدولة نفسها .
فكان المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري فى كتابه بنية العقل العربى أو نقد العقل العربى 1986 في ثلاثيته : القبيلة والعقيدة والغنيمة ، قد جاء متطابقا ولم يغترب كثيرا عن عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في التصدي لقضية المبادئ والقواعد والقيم الفكرية التي تقدمها الثقافة العربية في رسم الدولة والتي أصابت -كما يقول الكاتب الدكتور احمد عزة هيكل في صحيفة الوفد المصرية في فبراير ٢٠١٥ -وإلى حد بعيد عين الحقيقة التى يجب ألا تغيب عنا ونحن نتابع ونعيش تلك الحالة من إعادة تقسيم وتشكيل البلاد العربية والاسلامية على أساس عرقى ودينى واستهلاكى واستعماري.
وهنا ياتي المفكر العراقي حسين العادلي مجدداً في ظلال تلك الثلاثيات وبشذرات تحليلية محيطها المعرفي علم الاجتماع السياسي متصدياً لفكرة آخرى هي «الدولة -الحقّة» عندما تتهددها السلطة الموازية قائلاً
لا يحن الى (الإستبداد) إلاّ من تعود (زرائب الطاعة)،
وديمقراطية (الغوغاء) وصفة (الغابة)،..
يلتقي الإستبداد والغوغاء (بالطغيان)، وكما للإستبداد (سَدنة) فللطغيان (رعاة)،..
أعطني (ثقافة القطيع)، وسأبني لك (أفضل الحظائر)!!
زرائب القطيع، ممالك الغوغاء،.. ثقافة العبيد ممالك الطغاة!!..
لا (خلاص) الّا بالتحرر من السَدنة والزرائب، ومن ثقافة العبيد،..
(الدولة الحقّة) أمّة أحرار، لا تكدس قطيع.
كما يتصدى المفكر حسين العادلي بعمق في تحليله لفكرة (الغياب )او مايمكن تسميته مجازاً (باغتراب الدولة )وهو المفهوم الاخطر في فقدان الدولة دورها كسلطة غائبة قائلاً :
بغياب (السلطة) تضيع الدولة، وبغياب (الدولة) يضيع النظام، وبغياب (النظام) يضيع الإلزام، وبغياب (الإلزام) يضيع الإلتزام، وبغياب (الإلتزام) تعم الفوضى.
وبغياب (المبادرة) تضيع القيادة، وبغياب (القيادة) يضيع (القرار)،
وبغياب القرار تضيع (الفرص)،.. وبغياب الفرص يعم (الياس).
بغياب (البوصلة) يضيع الهدف، وبغياب (الهدف) تضيع المهمّة، وبغياب (المهمّة) تضيع الهمّة، وبغياب (الهمّة) يعم الفشل.
الدولة تحيا بحضور: القيادة، البوصلة، والهمّة.
ختاما، يمكن القول انه في «غياب» ((سلطة الدولة ))فان ((الدولة ))ستبحر بسفينتها على انحراف وسائل ابحار مضطربة الميلان لا تعرف وجهتها ، تمسك بأدوات ملاحية لا توفر المقدرة على تحسس جهة ابحارها ،وان امام ربابينتها خيارات فردية قليلة الحيلة تتلاطم عكسياً مع حركة الامواج لاتفرق في اتجاهاتها بين حافات الشمال من مراسي الجنوب ولايهمها التنور بالشروق من التلحف بالغروب ، ولايهزها طائر يشدو مرورا من غرب العالم صوب شرقه وهو يبحث عن نقطة الدف ،فالكل يعمل بادوات تتطلع لابحار مبهم الرسو بعد ان فقدت (الدولة- الامة) بوصلتها في بحار من التيه ليمارس بدلا عنها دور (الدولة -القطيع) بثلاثية السلطة الموازية( الكاهن والحظيرة والالواح المقدسة)او بثلاثية (القبيلة والعقيدة والغنيمة).
Comment here