د.حسين الخاقاني: خلق فرص العمل أم زيادة التوظيف الحكومي ايهما أجدى للاقتصاد ؟

الحكومة هي شكل من اشكال ممارسة السلطة في المجتمع وهي المسؤولة عن وضع السياسة العامة له ، وتهدف هذه الحكومة بشكل عام الى حفظ النظام والدفاع عن البلد من العدوان الخارجي وادارة الاقتصاد من خلال اعادة توزيع الدخول والثروات والموارد بما يحقق العدالة لجميع الافراد وتوفير السلع العامة والخدمات العامة .
لذا تقوم الحكومة بأنشطتها المختلفة في تقديم الخدمات العامة بصورة مباشرة من قبل القطاع الحكومي ، او بصورة غير مباشرة عن طريق الشراكة مع القطاع الخاص ، وفقاً لرؤيتها وسياستها العامة . وتقديم الخدمات العامة بشكل مباشر يتطلب توظيف المزيد من العاملين في الاختصاصات المختلفة ( أعني تعيين الموظفين في الوظائف الحكومية ). وغالباً ما يترافق التوسع في التوظيف تزايد النشاط الاقتصادي الذي يتطلب التوسع في الانفاق العام الذي تنتهجه الحكومة لدفع عملية التنمية،ولكن اذا لم تتحقق الزيادة في النمو الاقتصادي فإن التوظيف يصبح عبئاً على الحكومة .
ان العراق لديه عدد محدد من السكان ويمتلك موارد اقتصادية مختلفة تجسدها منتجات المصانع والمزارع ، وترفدها الموارد البشرية المؤهلة من الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب المختلفة الاختصاصات والتي نطلق عليها اصطلاح (قوة العمل ) ويقصد به عدد من السكان في سن العمل الذي يتراوح بين سن الشباب والسن التقاعدي عدا الطلاب والمتقاعدين .
وتشير التقديرات إلى أن قوة العمل في العراق ( التي تتراوح بين عمر 14 إلى 60 عامًا ) تضم بحدود 14 مليون شخص تشكل نسبة 36% من عدد السكان وأكثر من 6.5 مليون موظف حكومي ، منهم 3 مليون موظف موجودين بالخدمة وهو ما يعادل نحو 21% من قوة العمل ، ونسبة بطالة بحدود 13% . وتكلف الخزينة سنوياً بحدود 72 ترليون دينار أي ما يعادل اكثر من 70% من نفقات الحكومة الجارية .
وتشير افضل التقديرات الى ان إنتاجية الموظف لا تتجاوز مدة 17 دقيقة خلال ثماني ساعات العمل الرسمية في اليوم الواحد . وهذا الهدر الكبير في وقت العمل ماهو الا وجود عدد فائض من الموظفين يفوق حاجة الدوائر . وهذا ما يطلق عليه ( البطالة المقنعة ) وهي وجود موظفين اكثر من العدد المطلوب او لا يمتلكون المؤهل العلمي او الاختصاص المناسب للعمل ، بعض الدوائر تشكو من قلة المختصين ولكنها توكل العمل لغيرهم فيحصل تدني في مستوى الاداء .

  • ماهي انعكاسات زيادة التوظيف على الحكومة ؟

ان الزيادة في عدد الموظفين لابد ان تخلق انعكاسات على الحكومة تظهر بشكل آثار ايجابية أو سلبية ، فالآثار الايجابية تتضح في زيادة قدرة الحكومة على تقديم الخدمات العامة ورفع المستوى المعاشي للمواطن وتخفيف حدة ازمات السكن والبطالة والفقر وتحقيق تنمية وتحقيق الرضى الاجتماعي الخ . ولكن عدم تحقق تلك الايجابيات ستخلق اثراً سلبياً على اداء الحكومة وتحد من قدرتها في تقديم الخدمات العامة وبذلك يمتد الاثر السلبي على مجمل الاقتصاد وكما يلي :
– تدني مستوى اداء العمل ومستوى الخدمات المقدمة بسبب التخمة الحاصلة في جسم الحكومة .
– هدر في وقت العمل وتزايد الروتين وتأخير انجاز الاعمال وعدم الرضى عن الاداء الحكومي .
– تنامي الفساد في مرافق الدولة وتنامي حالة الاثراء من العمل الحكومي .
– التزام الحكومة بتوفير الرواتب لهذا العدد الفائض عن الحاجة وعدم قدرتها على اعفائهم من العمل .
– اضطرار الحكومة الى الاقتراض لغرض مواجهة فقرة الرواتب ، وليس للاستثمار والتنمية .

ورغم ذلك تواجه الحكومة العراقية ضغطاً شعبياً باتجاه التوظيف وضعفاً من جانبها لإرضاء المجتمع وتلبية طلباته ، وان الاستجابة لتلك المطالب بهذا الشكل وخلق وظائف جديدة لدى الحكومة يزيد من الانفاق العام الذي يرهق الموازنة دون تحقيق خطوة حقيقية نحو التنمية . و تقيد الموازنة العامة بالعوائد المالية التي تحققها الحكومة والمعتمدة على النفط اساساً دون بقية الموارد ، يجعل الحكومة تنفق على البطالة المقنعة كرواتب وامتيازات وما الى ذلك رغم تدني عوائدها . وهذا ما يزيد من ضعف الحكومة وتناقص قدرتها على تقديم الخدمة العامة بشكل افضل وتنمية الحركة الاقتصادية ، إذ انها تنفق أكثر مما يجب دون ان تتحقق تنمية حقيقية ولا يوجد توسع في القاعدة الانتاحية .

  • ما هي اسباب طلب المجتمع للوظيفة الحكومية ؟


ان الطلب على الوظيفة الحكومية قد لا يعني وجود حاجة فعلية لدى الحكومة بقدر ما يعني انعدام فرص العمل خارج الحكومة . ولعل سياسة الحكومة في الانفتاح الاقتصادي والسماح بإغراق السوق العراقية بالمنتجات المستوردة الذي ادى الى تعطل الصناعة والزراعة وساهم بشكل كبير في خفض المعروض من فرص العمل لدى القطاع الخاص وتحول الطلب على العمل الى الفرص التي تتيحها الحكومة للتوظيف ، الامر الذي جعل قيمة الوظيفة الحكومية مرتفعة الثمن وتحتاج الى وساطة احياناً للحصول عليها واحياناً تشترى فرص التوظيف بدفع الرشى.
ان الحكومة تحتاج لديمومة عملها ان تنتقي موظفيها من بين طالبي العمل لكي تبقى تقدم الخدمات بأفضل صورة . وقد نجد في تجربة الصين مثالاً حياً للتطور الهائل من دولة زراعية نامية الى دولة تنافس اقتصاديات الدول المتقدمة . وبالرغم من ان تعدادها السكاني وصل الى 1400 مليون نسمة ، لكن عدد موظفيها لا يتجاوز 7 مليون موظف حكومي تنتقيهم بعناية بواسطة اختبارات علمية ومهنية عديدة ليفوز شخص واحد من بين عدد كبير من المتقدمين للوظيفة العامة . اما مجموع قوة العمل لديها فتبلغ بحدود 800 مليون عامل ونسبة بطالة بحدود 3.8% وهذا يعني ان الحكومة تولي اهتمام بالقطاع الخاص ولا تنافسه في التوظيف . وتهتم ببناء الجسم الحكومي الفعال بالاختيار السليم وفق اسس موضوعية وهي تحافظ على الحجم الامثل لجهازها الوظيفي .
ان اهم واجبات الحكومة تجاه قوة العمل هو تهيئة فرص العمل وليس توظيف طالبي العمل . وهذا ما يوجب قيامها بتحفيز النشاط الخاص وحماية منتجاته من مزاحمة السلع المستوردة والسيطرة على التجارة التي تسبب اغراق السوق المحلية بالمنتجات المشابهة للمنتجات المحلية . ولا تدخل في دوامة التوظيف الذي يخرجها عن حجمها الامثل .
ان الشراكة مع القطاع الخاص في ادارة العديد من الخدمات الحكومية تجنبها من زيادة الانفاق العام وتزيد من قدرتها على توفير الخدمات العامة ، فالحكومة تمتلك العديد من المنشآت الصناعية الكبيرة المتعطلة كمصانع البتروكيماويات والحديد والصلب والاسمدة وغيرها والتي تستوعب عشرات الالاف من قوة العمل ، ويمكنها تشغيل تلك المنشآت بطريق الشراكة مع القطاع الخاص المحلي وحتى الاجنبي او تحويل ملكيتها كلياً الى القطاع الخاص ، وبذلك ستشجع المستثمرين من توجيه استثماراتهم نحو تلك المشاريع وتتحفز بقية النشاطات الاقتصادية . كما ان التركيز على الانفاق الاستثماري وتيسير قوانين الاستثمار سيخلق المزيد من فرص العمل المجدية والعوائد العالية . وبذلك تتوفر فرص العمل بشكل واسع ولجميع التخصصات دون الحاجة لمزيد من التوظيف الحكومي .

د . حسين جابر الخاقاني / دكتوراه اقتصاد
huseinjaber@yahoo.com

Comment here