مارس 10, 20210
التعليم الزائف
التعليم الزائف
أ.د. محمد الربيعي
يلعب التعليم دوراً حاسماً في تنمية الفرد، وبالتالي المجتمع بأكمله. وعلى الرغم من أن تاريخ نظام التعليم العراقي يتضمن بعض الأمثلة الإيجابية التي يمكن الافتخار بها، إلا أنه في الوقت الحاضر يعاني من أزمة حادة على الصعيدين المدرسي والجامعي ويتلقى انتقادات واسعة فلا يمكن إنكار حقيقة أننا بدأنا بالتأخر منذ عدة عقود حتى الآن.
وفي حين أن جزءاً كبيراً من مناطق العراق تشكو من انعدام المدارس أو من الأبنية الطينية وخلوها من المرافق الضرورية، فإن الغالبية من الطلبة المتفتحين ذهنياً ومن الذين تمكنوا من تحقيق مستوى عالٍ من التعليم هجروا الوطن بحثاً عن حياة أفضل وفرص عمل لا تتوفر في الداخل. ومن الواضح أن الحكومة لا تولي اهتماماً مقبولاً للتعليم، ولا تبذل جهوداً كافية لضمان تعليم كل طفل في العراق كحق أساس. وما زالت الإجراءات التي تقوم بها الحكومة هي إجراءات فاشلة ونتيجة لذلك، فإن معدل معرفة القراءة والكتابة يزداد نسبة مقارنة بدول المنطقة، والظاهر هو وجود اختناقات عسيرة في العملية التربوية معظمها تعود الى اعتماد التعليم الزائف كأسلوب ومنهج مميز له فلسفته وأهدافه وطرقة “التربوية”، وما ساعد على ترسيخ دعائم هذا النوع من التعليم هو انتشار الفساد، وجهل القيادات السياسية.
السؤال الملح هو لماذا يتجه تعليمنا نحو الهاوية؟
مشاكل نظام التعليم الزائف
الاعتماد على درجات الامتحان
في بلدنا، نقيس الموهبة حسب درجات الطلاب. ليس من غير المألوف اعتبار الطالب الذي يحصل على أكثر من 90٪ من الدرجات على أنه “لامع” في حين أن أولئك الذين يحصلون على درجات متوسطة يعتبرون ضعيفين ليس لديهم مستقبل ملموس. وما يزال شكل المناهج التي صممت في بدايات القرن الماضي سارياً الآن دون العديد من التغيرات والتعديلات التي حصلت في العالم حيث يتم التركيز بشكل كبير على الحصول على درجات جيدة بدلاً من تحقيق التنمية الشاملة للفرد. المدرسة والجامعة في مجتمع اليوم تكسب الطالب “ثقافة سطحية”، لأنهما يوليان أهمية كبرى للتلقين كطريقة في التدريس، وبهذا يقّيم الامتحان قابلية اجترار المعلومات.
انعدام الاهتمام بالتعليم العملي
التعليم بمعظمه تعليم نظري مع مجال ضئيل للتعليم العملي، والبحث من جانب الطلبة. لا توجد مساحة للتعلم والتفكير الإبداعي، والطلاب ملزمون دائماً بمنهج معين ولا يتم تشجيعهم على طرح الأسئلة والتجريب وتنمية المهارات. منهجية التدريس لدينا رتيبة للغاية وهناك انعدام كامل للمرونة، ويمنع الخروج عن مفردات المنهج. يخضع الطلاب في الغالب لساعات طويلة من المحاضرات حيث يكون محصلة التعلم الذي يحصلون عليه موضع شك كبير. ولا يسمح أي أسلوب للتدريس يثير اهتمام الطالب خارج الصف لمتابعة موضوع الدرس بطريقة مختلفة.
الدراسة مملة
نتائج نهاية العام وامتحانات البكلوريا في مجال التعليم العراقي لها أهمية قصوى، وقد يؤدي عدم الحصول على معدلات عالية إلى تعريض الطلاب لسلسلة من الخذلان والإذلال وفقدان الثقة. لا تحظى الأنشطة الرياضية والفنية والحرفية والأنشطة اللاصفية باحترام كبير من قبل المجتمع وأولياء الأمور والمؤسسات التربوية. تُعطى الموضوعات الأكاديمية أهمية كبيرة لدرجة أن المعلمين غالباً ما يُنظر إليهم وهم يستغلون الفترات المخصصة للرياضة والأنشطة الأخرى خارج المنهج الدراسي لإنهاء المنهج الدراسي الخاص بهم. يجب هنا أن يكون هناك فهم أساس لعملية التعلّم ذاتها. التعلّم هو عملية إبداعية، من المتوقع أن يفكر الفرد ويتفاعل ويتصرف، ويعالج المعلومات بمزيج من الاستنتاجات الإبداعية والعملية. يجب تحويل الوزن بالكامل إلى التعلم وليس مجرد للحصول على درجات عالية في الامتحان. يجب أن يتحقق ذلك من قبل المدرسة والعائلة على حد سواء.
عدم الاهتمام بالفرد
الهدف من التعليم هو تثقيف الطلاب وتمكينهم من تحقيق النجاح المنشود في حياتهم. لا يرغب كل طفل في أن يصبح طبيباً أو محامياً أو مهندساً عندما يكبر، فقد يرغب في أن يصبح شاعراً، أو مغنياً، أو رياضياً، أو تاجراً. تكمن المشكلة في نظامنا التعليمي الحالي في أن جميع هؤلاء الطلاب سيتعين عليهم دراسة نفس الموضوعات، والقيام بنفس طريقة التعليم على الرغم من أن العديد من المواد التي يتم تدريسها لن تكون ذات صلة بهم بعد بضع سنوات. بالطبع، القراءة والكتابة الأساسية ضرورية، لكن جعلهم يدرسون نفس الموضوعات لمدة 10 سنوات طويلة، وبعدها لن يتمكنوا حتى من اختيار مجال التخصص فهذا يعتبر قسمة ضيزى.
التعليم ينبذ الابداع
نظامنا التربوي يعتمد على معايير مقيدة للمواضيع المدرسية. لا يوجد تركيز متساوٍ على الموضوعات العلمية واللغوية والاجتماعية، ومنهج التربية الإسلامية يتجاوز حدود مفرداته ليشمل اللغة العربية والاجتماعيات والتاريخ. في الواقع، لا توجد مواد إبداعية إلى جانب الرياضيات والعلوم وإضافتها سيكون مزيجاً رائعاً، ويساعد الطالب على فهم الصورة الأكبر في المدرسة. النظام التربوي يغلق عقل الطالب بدل أن يفتحه على العالم بسبب ضعف تدريس اللغات. لا تتكلف المدرسة ولا حتى الجامعة ببناء شخصية متكاملة للشاب العراقي والتي تتطلب الانفتاح على ثقافات وحضارات العالم، وهذا بدوره يتطلب تمكين الطالب من التحدّث والمواصلة بلغة أجنبية بطلاقة.
سوء منهجية التدريس
المنهج هو ما يحتاج إلى تغيير، ويتطلب أيضاً تغيير كامل لطرق التدريس على صعيد المدرسة والجامعة. طرق التدريس لدينا قديمة. ما زلنا نستخدم السبورة والطباشير كأسلوب التدريس الوحيد. على الرغم من وجود موجة من التبديل إلى وضع التعلم الإلكتروني كاستخدام التقنيات الرقمية كالباوربوينت، إلا أن ذلك يحدث بنسبة صغيرة جداً. ليس فقط طريقة التدريس لدينا غير فعالة، ولكن أيضا المعلمين والمدرسين. يجب أن تتخذ المدرسة والجامعة تدابير لتزويدهم بمهارات أساليب التدريس الحديثة بالإضافة إلى تكييفهم مع التعلم الإلكتروني السريع. التعلم الإلكتروني هو عملية تعلم إبداعية، ولكن فقط مع وجود معلم جيد ودعم مؤسساتي. إذا تمكنا من الجمع بين معلم جيد ومنهجية تعلم حديثة، ودعم وزاري ومؤسساتي، فيمكننا جني العجائب منها.
انعدام المعرفة الوظيفية ومعرفة السوق
إذا استطعنا النظر فيما يقرب من عقدين من المنهج الدراسي من أي مرحلة دراسية، فيمكننا بسهولة أن نستنتج أنه كانت هناك تغييرات طفيفة في المنهج الدراسي لكنها لم تكن تستجيب لحاجة المجتمع والسوق. الشيء المهم الذي يفتقر إليه نظام التعليم في العراق هو معرفة حاجة السوق والوظائف التي يحتاجها المجتمع. بعبارات بسيطة، الطالب يعلم كيف يشرح عملية معينة، ولكنه لا يعرف أبداً كيفية القيام بها. لا تحتوي المناهج على أي أساسيات حول كيفية عمل السوق وكيفية إدارة الاقتصاد. يجب توفير تعليم عمليات السوق الأساسية للطلاب على الأقل من المستوى الثانوي حتى يكون لديهم فهم أوسع للاقتصاد وتسيير الأعمال.
الخلاصة
يجب أن يكون التعليم الحقيقي متاحاً للجميع، ولكن يجب أن يكون التطوير الشامل جزءاً من المنهج أيضاً. إن الحاجة الآن هي تطوير نظام لا يُجبر الأطفال فيه على أن يكونوا نماذج ببغائية بأسلوب التعليم الزائف. لنسمح لهم بأن يكونوا فضوليين (حب الاستطلاع)، ولنشجعهم على طرح الأسئلة، وتناول الموضوعات التي يهتمون بها حقاً في وقت مبكر من حياتهم. يمكن أن تلعب التكنولوجيا دوراً حيوياً في عملية التعلم. مع ظهور الوسائل السمعية والبصرية واللوحات الذكية والمحتوى عبر الإنترنت والصفوف الدراسية المدمجة، يبدو أن المهمة أصبحت أسهل طالما توفرت الإرادة وقضي على الفساد. يتمتع الطلاب في الوقت الحاضر بوسائل للتعلم عبر الطرق التفاعلية أكثر من أي وقت مضى. لقد حان الوقت لبدء الاستثمار في أساليب أكثر حداثة للتعليم والتعلم. على المدرسة والجامعة أن تضطلع بأدوارها في بناء الإنسان العراقي ولتحقيق هذا الهدف نحتاج للعمل معاً جنباً إلى جنب مع المعلمين والمدرسين وأولياء الأمور للبدء بتنفيذ برامج تربوية لإعداد أفراد للحياة وعناصر أساسية للتقدم والتغيير الاجتماعي والاقتصادي. خطوتان إيجابيتان قد يؤدي إنتهاجهما الى تسهيل هذه المهمة ألا وهما القضاء على الفساد أولاً، وثم الاستثمار في التعليم بالنظر الى حقيقة أن العراق يقع في قمة البلدان الفاسدة، وقمة البلدان في تدهور التعليم.
Comment here