رسالة مفتوحة: اللامركزية وسيادة القانون

سعادة رئيس مجلس النواب الدكتور سليم الجبوري المحترم

تحية تقدير واحترام

تشهد دوائر الحكومة العراقية حراكا باتجاه الشروع بتطبيق الادارة اللامركزية بالمحافظات بغية تعميق الممارسات الديمقراطية ورفع مؤشرات الاداء الحكومي المحلي. السوأل الذي يطرح نفسه هل حقا ان اللامركزية ستقود الى ذلك؟  تشير الدراسات التحليلية انه بسب ضعف الشفافية فان مؤشرات الاداء الحكومي وسيادة القانون في العراق متدنية بالنسبة للدول الاخرى، ولكن كيف ستكون هذه المؤشرات بعد الشروع بتطبيق اللامركزية؟  الحقيقة ان الاقبال على اللامركزية دون العمل على تبني مستلزمات نجاحها (التي من  الشفافية) هو اقبال لا يرع تبعات الامور.  

تؤكد الادبيات السياسية ان ثمار الديمقراطية لا تجنى بمجرد تطبيق اليات الديمقراطية، بل من خلال اعتماد قيم الديمقرطية المتمثلة بمفردات الحكم الرشيد كالشفافية وسيادة القانون والكفاءة والمشاركة وتحمل المسؤولية. تعتبر الشفافية اهم مفردة من مفردات الحكم الرشيد الذي هو عامل حاسم للتمييز بين مستوى تطورالدول، وقد اثبتت الدراسات السياسية ان التفاوت في الرفاهية الاقتصادية بين المناطق او الاقاليم في المكسيك يعود الى التفاوت في تطبيق مفردات الحكم الرشيد.

في العراق تعتبر الموازنة الاتحادية اهم اداة حكومية مسؤولة عن تنفيذ المشاريع الحيوية ، وان اعدادها وتنفيذها بشفافية يعزز معطيات الحكم الرشيد بشكل عام، وفي حالة غياب الشفافية يجد المسؤول الحكومي نفسه امام مساحة واسعة للتصرف بالمال العام بطريقة غير كفوءة وبالتالي قد تخدم اغراض غير موضوعية. لقد كشفت السنوات السابقة عن ممارسات مالية ليس لها علاقة بستراتيجية اقتصادية بل كان بعضها يفتقد للجدوى الاقتصادية وهما امران يقودان الى هدر المال العام، وبسبب غياب الشفافية تعذر على الاجهزة الرقابية والمواطن ومنظمات المجتمع المدني للتصدي بكفاءة لمثل هذه الممارسات. ان وجود الشفافية يتطلب اعلان مؤسسات الحكومة الاتحادية او المحلية عن ستراتيجية الانفاق السنوية والجدوى الاقتصادية وحجم التخصيصات للمشاريع مع بيان الية احتساب الايرادات العامة مع تفاصيل الانفاق الفصلية، هذه التفاصيل تجعل المسؤول من جهة اكثر التزاما بالبرامج المخطط لها وتحميه من جهة ثانية من الادعاءات الكيدية. 

انطلاقا من اهمية الشفافية فقد اقر قانون الادارة المالية لعام 2004 تطبيق المعايير الدولية للشفافية في اعداد وتنفيذ الموازنة (وتأكيدا على ذلك فقد اشار القانون لهذه الحقيقة ولثلاثة مرات)، الا ان هناك عدم التزام من قبل وزارة المالية (التي هي اهم الوزارات الاتحادية) لموضوع الشفافية فما بالك بالمؤسسات المحلية كالمحافظات؟ ان الاقبال على اللامركزية دون مراعاة مستلزماتها لا يشجع على التفاؤل بمستقبل الممارسة، وان افراط الحكومة العراقية بالممارسات الديمقراطية والتفريط بتطبيق قيمها يقود الى القول ان العراق “حضى شكليا بالديمقراطية ولكن خسر سيادة القانون”. بغياب الشفافية وسيادة القانون لا نستطيع ان نضمن باننا منصفين لكل مكونات الشعب، كما ان شعور البعض بالتهميش لا يحل “بالمصالحة” كما هو متداول بل بالاعتماد على مفردات الحكم الرشيد والتي تتمثل بالشفافية والمشاركة … الخ.  فلا قيمة للمصالحة في غياب الشفافية وسيادة القانون والكفاءة.

يتوقع ان يصدر قريبا من منظمة شفافية الموازنة العالمية (www. internationalbudget.org )  تقرير حول واقع شفافية الموازنة بكل دول العالم، ويتوقع ان تكون مؤشرات العراق متدنية كما هو الحال في السنوات السابقة (4%).  ان ضعف مؤشر الشفافية لا يعود الى مسؤولية وزارة المالية وحدها بل الى الاجهزة الرقابية المتمثلة باللجنة المالية البرلمانية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ودائرة المفتش العام. ان غياب الشفافية قد جعل من جميع هذه الدوائر منشغلة بالتجاوزات التي يمكن تجاوزها قبل وقوعها بوجود الشفافية. السوأل لماذا لا تعتبر المؤسسات الرقابية غياب الشفافية مخالفة قانونية؟

سعادة الرئيس: نتطلع الى دوركم الرائد الذي وعدت به لتحقيق الحكم الرشيد من خلال اولا: الزام دوائر الدولة بالشفافية وفق المعايير العالمية والتي نص عليها قانون الادارة المالية (حتى لا تحول تجربة الادارة اللامركزية بالعراق الى ممارسة فاشلة)، وثانيا: الاسراع بدعوة اصحاب الرأي والدراية لمناقشة موضوع اللامركزية ومستلزماتها وخلق ثقافة ديمقراطية واعية، وبعكس ذلك يكون الحال كمن: القاه في اليم مكتوفا ثم قال له اياك اياك ان تبتل بالماء.

وتقبلوا فائق التقدير والاحترام.

Comment here