نوفمبر 29, 20200
قانون النفط: كيف نبدأ؟
(حتى لا يكون النفط مصدر للخلافات السياسية، تحاول المقالة العوة لايجاد الاطار القانوني السليم لاستغلال الثروة النفطية. وترى ان التأخير في حسم التعامل مع مسودة القانون ليس في مصلحة العراق (ونصف المجتمع يعاني من صور مختلفة من الفقر والحرمان). ولا تقترح حسم القانون كيف ما يكون، بل من خلال ثوابت اساسية ووطنية نتفق عليها مع مراعاة وحفظ مصالح جميع المكونات العراقية. وتدعو المقالة الي: اهمية الاتفاق على الثوابت الخاصة بصناعة النفط ، وضرورة الاستفادة من تجارب وقوانين دول الاوبك الجديدة منها، والاستفدة من عضوية العراق في منظمة الاوبك بالطلب منها بعقد ورشة عمل لدراسة الخيارت المتاحة للعراق، والعمل على تشكيل منتدى مدني متخصص بشؤون النفط يضم الكفاءة النفطية وغيرهم، لاشاعة الثقافة والمفاهيم الجديدة لصناعة النفط ومتابعة شؤون النفط والتاشير على الممارسات الخاطئة).
1. اهمية النفط:
تزداد يوما بعد يوم اهمية النفط كسلعة ستراتيجية للدول المنتجة، ولكن الامر ذو ابعاد اكثر بالنسبة للعراق. فالكل يجمع ان العراق له من الامكانات الضرورية أن تجعله اكثر من مجرد دولة منتجة. حيث برهنت التجارب الدولية بأن النفط وسيلة مهمة في بلوغ الرخاء الاقتصادي واداة مهمة في المواقف السياسية. لاشك ان العراقيين بيدهم اداة تساعدهم ليس من مجرد الخروج عن حالة الفقر والحرمان وتلاعب الاقدار السياسية، بل الى دولة صناعية وزراعية ذات مكانة سياسة تتناسب مع المنزلة التاريخية والذاتية التي يتمتع بها العراق. وهذا ما لمسناه من الوفود المشاركة بقمة الاوبك الثالثة الذي عقد مؤخرا في السعودية.
لانختلف كعراقيين عما تقدم، واذا ما اردنا ان نفعل ذلك علينا ان نوجد الاطار القانوني السليم لاستغلال الثروة النفطية. ان التأخير في حسم التعامل مع مسودة القانون ليس في مصلحة العراق (ونصف المجتمع يعاني من صور مختلفة من الفقر والحرمان). ليس المطلوب حسم القانون كيف ما يكون، بل من خلال ثوابت اساسية ووطنية نتفق عليها على اساس مراعاة وحفظ مصالح جميع المكونات العراقية . وسوف نتناول في هذا المقال مايلي: اولا- الاتفاق على الثوابت الخاصة بالنفط ، وثانيا- ضرورة الاستفادة من تجارب وقوانين دول الاوبك، وثالثا- الطلب من منظمة الاوبك بعقد ورشة عمل لدراسة الخيارت المتاحة للعراق.
2. الثوابت في صناعة النفط:
لمناقشة مسودة قانون النفط ، لا بد من اعتماد ثوابت واسس للنظر في تفاصيل القانون. لاشك ان تبني الثوابت سوف يساعد على تشخيص الجوانب الايجابية والسلبية معا، ومن ثم تكون لنا رؤية مشتركة في المناقشة. لاشك ان تعطيل تشريع القانون له آثار سياسية واقتصادية سلبية كبيرة جدا على مستوى المصالح الوطنية العراقية. من هذه الثوابت: اعتماد النفط سلعة ستراتيجية سياسية واقتصادية لتعزيز السيادة الوطنية ومكانة العراق دوليا (سبق لنا الحديث عن مسودة قانون النفط والغاز وتشخيص نقاط الضعف والقوة في جريدة الصباح بتاريخ 14 ابريل 2007 ):
•أ. ان النفط يجب ان ينظر اليه كمصدر ناضب ومن ثم هو حق لجميع الاجيال. فلا يجوز لجيل الافراط في استخدامه.
•ب. ان النفط ملك لكل العراقيين بغض النظر عن المنطقة المنتجة وغير المنتجة. وعليه ان التصرف به محكوم بمصادقة البرلمان العراقي.
•ت. يعتبر النفط حاليا المصدر الرئيسي لاعادة اعمار وتنمية العراق ومن ثم توجد ضرورة قصوى لاستغلاله استغلالا وطنيا مناسبا. وعليه لايجوز الافراط في انتاجه تحت اي ضغوط دولية، اذ يجب ان يتحدد سقف الانتاج بالمتطلبات الاقتصادية.
•ث. انه مادة اساسية لقيام الكثير من الصناعات البتروكمياوية التي يمكن ان تجعل العراق قوة صناعية وزراعية ذات قدرة تنافسية. ان القيمة الاكبر للنفط في تصنيعه وليس بمجرد انتاجه.
•ج. ان حاجة العراق الى التعاقد مع الشركات الاجنبية هو للحصول على الامكانات والتقنيات الحديثة. ان التعاقد يجب ان يخذ بنظر الاعتبار كفاءة الشركات والبعد السياسي لها وبما يعزز استقرار العراق. ان اعتماد وجود متوازن للشركات الاجنبية يجب ان يكون هدفا بحد ذاته، اذ ان ذلك يعني اعتماد وجود متوازن للمصالح الدولية في العراق.
•ح. ما دام النفط ثروة الشعب كله ويتم توزيعه بشكل عادل، فلا يجوز للمنطقة المنتجة التحكم بسياسة النفط ومن ثم بثروة المجتمع. فاذا ما ارادت المنطقة الجنوبية (مثلا أو اية منطقة أخرى) ان تبرم عقود نفطية مع شركة اجنبية، فأن عليها ان تقترح ذلك مع ذكر المبرر الى المجلس الاتحادي. اما القرار النهائي فهو قرار فدرالي إتحادي (ياخذ بالنظر كافة العوامل الاقتصادية والسياسية). حيث ان التعاقد مع الشركات الاجنبية له ابعاد سياسة، كما ان عملية التنقيب والاستخراج له أبعاد سياسية مع دول الجوار الجغرافي لوجود تداخل بين الحقول النفطية (كما ان هناك تداخلا بين الحقول للمناطق المنتجة). كما نذكر ان تحديات الأنتاج لا تتوقف على عملية الاستخراج بل هناك عمليات اخرى كالتسويق والنقل التي تتعلق بالتفاوض مع الدول الاخرى. يجب ان ندرك ان عقود النفط تختلف عن العقود الاخرى كالعقود ذات الطبيعة الخدمية – البلدية (انشاء مجاري الماء والصرف الصحي ) ذات البعد الاقليمي المحدود غير الاستراتيجي.
•خ. ينبغي ان يكون القانون مرنا في طبيعة العقود وبما يتناسب مع حاجة الحقول المختلفة، وعليه يجب عند التشريع ان توضع الضوابط الضرورية التي تصون الجهة المتعاقدة من الخطأ، وبنفس الوقت تمكنها بالقوة التفاوضية الضرورية. كأن ينص القانون بان لا تتجاوز حصة الشركات الاجنبية العاملة نسبة محددة من الانتاج او فترة زمنية معينة.
•د. الالتزام بالشفافية بنشر العقود وتقاريرالانتاج والمالية فصليا وسنويا لإطلاع الجمهور. كما أنه من الضروري اعتبار عقود الترخيص باطلة اذا ما انتهك المتعاقدون القانون الخاص بمكافحة الفساد. والزام الادارات النفطية للقيام بتوزيع عطاءات عامة على أسس تنافسية بإعتبار ذلك من العوامل المهمة لمنع الفساد.
•ذ. ان المحاصصة تؤدي الى عدم اعطاء الاولوية للكفاءات، وبذلك تكون الدولة اكثر حاجة واعتمادا على الشركات الاجنبية لتطوير الانتاج. ولا يغيب عن القارئ التعارض الدائم بين متطلبات كفاءة الاداء (تحقيق الجدوى الاقتصادية) ومتطلبات العدالة (توسيع رقعة المشاركة). فلو افترضنا ان دولة مؤلفة من ثلاث جزر/ اقاليم : الاولى الكبيره يسكنها مئة مليون نسمة، والثانية والثالثة صغيرتان يسكن في كل منهما خمسة ملايين نسمة. وان امكانية الدولة المالية تتسع فقط الى اولا: انشاء ثلاث عيادات طبية واثنين من المستشفيات ذات التخصص العالي، وثانيا: انشاء مرفئين. السؤال كيف نعمل تحقيق العدالة والاستفادة القصوى من توزيع الموانئ والوحدات الطبية توزيعا عادلا لا يخل بكفاءة الاداء؟ لاشك ان هذه أمنية صعبة المنال.
3. . المقترحات:
ان تبني ثوابت محددة تساعد كثيرا في رسم خارطة الطريق لاستغلال الثروة النفطية. وعلى اساس ما تقدم نقترح مايلي:
1) ان يقوم المهتمون بتطوير مسودة القانون بالقيام بزيارات ميدانية لبعض الدول التي طورت حديثا من قوانينها كالجزائر وليبيا على سبيل المثال، والتعرف على طريقة الانتفاع والاستفادة من هذه الثروة. كما يستطيع العراق ان يستفيد من الخبرات المتراكمة عند منظمة الاوبك لدراسة الخيارات المختلفة والمتاحة له.
2) الدعوة لتشكيل منتدى (جمعية) مدني متخصص بشؤون النفط تضم الكفاءة النفطية العراقية ونخبة من اعضاء البرلمان والمهتمين والمثقفين العراقيين من الداخل والخارج . يتولى المنتدى اشاعة الثقافة والمفاهيم الجديدة لصناعة النفط ومتابعة شؤون النفط واتاحة المجال لكل مكونات الدولة والمجتمع بالتعرف على شؤون النفط ودحض الممارسات الخاطئة.
الدكتور كمال البصري
Comment here