يناير 29, 20210
مظهر محمد : الخيار العقلاني المستدام’
تفترض نظرية الخيار العقلاني التي هي ديدن المدرسة الكلاسيكية الجديدة في علم الاقتصاد، بان للافراد تفضيلات من خلال الخيارات البديلة المتاحة التي تسمح لهم بوضع الخيار المفضل. وان تلك التفضيلات اما ان يكون بعضها يحل محل الاخر وهي متكاملة لافرق بين احدها عن الاخر واما ان تكون متعدية من حيث تدرجها وتفوق بعضها على البعض الاخر.وبناءً على ذلك فان الفرد العقلاني يفترض ان ياخذ بالحسبان المعلومات المتوافرة كافة والتي تعينه في الاختيار الصحيح وكذلك التحسب لاحتمالية حصول الاحداث المؤثرة وتكرارها، فضلا عن المنافع والتكاليف الممكنة والمحتملة في تحديد تلك التفضيلات ومن ثم التصرف بصورة قوية ومتماسكة في التقاط افضل الخيارات التي يحددها الفرد بنفسه.
وبهذا امست العقلانية واحدة من الفرضيات المستخدمة في نمذجة وتحليل سلوك الفرد على مستوى التحليل الاقتصادي الجزئي عند صنع القرار البشري. كما غدت العقلانية واحدة من الفروض المستخدمة على نطاق واسع في العلوم السياسية وعلم الاجتماع والفلسفة. وعد كاري بيكر من مدرسة شيكاغو في الاقتصاد والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد في العام 1992 من اهم مؤيدي تطبيق نظرية الخيار العقلاني في حقول مثل اقتصاديات علم الاجرام واقتصاديات التمييز بين البشر ورأس المال الانساني وغيرها. وعلى الرغم من ذلك فقد احدثت المفارقة الكبيرة التي جاء بها دانيال كوهينمان الاستاذ في جامعة برنستون والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد السلوكي في العام 2002 (وهو الشخصية العلمية الذي وصفته مجلة ذي ايكونومست اللندنية في واحدة من اعدادها الصادرة في العام 2015 بانه واحد من افضل سبعة مفكرين في العالم) يوم حاكى كوهينمان فكرة اللاعقلانية الاقتصادية مخالفا في ذلك كاري بيكر ومدرسة شيكاغو ومعتقداتها بالعقلانية المفرطة للبشر عند اتخاذ القرار.
ففي كتابه الشهير الصادر في الولايات المتحدة في العام 2011 لخص كوهينمان افكاره تحت عنوان: فَكر اسرع وبتأن، اذ يرى دانيال كوهينمان وهو يتصدى للمسائل غير العقلانية للجنس البشري ان ثمة اثنين من اجزاء الدماغ يحملان نظامين مختلفين، النظام (1) والنظام (2). حيث يمثل النظام (1) الحدس والبديهة وهو نظام يعمل تلقائياً على مدار الوقت من دون حاجة الى تدخل المنطق. في حين ان النظام (2) يشير الى النشاط المصحوب بالمجهودات العقلية واستخدام قدر عال من المنطق.
وبسبب طبيعة النظام (1) الذي يجعل البشر يعانون من تحيز في الادراك وأخطاء من اللاوعي فانه غالباً ما يقود الافراد الى القفز صوب الاستنتاجات الخاطئة والقرارات الفاشلة. فنظرية الخيار العقلاني تعني ان الجميع يعمل ضمن المنطقة (2) في حين كثيراً ما تستغل طبقة المستهلكين على سبيل المثال ممن يعمل بمنطقة التفكير (1) وهم يتخذون قراراتهم بعيداً عن الرؤية القانونية او الفنية ما يجعل المؤسسة الرقابية والقانونية في وضع تعمل فيه على الزام الشركات ومنظمات الاعمال لنقل الافراد من منطقة التفكير (1) الى منطقة التفكير (2) من خلال تعظيم الحوكمة الجيدة واعتماد الافصاح والشفافية لاستدامة الخيار العقلاني.
Comment here