فبراير 4, 20210
دكتور مظهر محمد صالح : الاحتكار الراسمالي يخترع نفسه رقمياً /الجزء الاول
الاحتكار الراسمالي يخترع نفسه رقمياً /الجزء الاول
مظهر محمد صالح
يعيش العالم الرأسمالي مجدداً ظاهرة تحول الشركات التنافسية الى كيانات عملاقة وبشكل متسارع . فتلازم الموضوعي بين الثورات التكنولوجية وتعاظم مستويات الاحتكار قد امسى واضحاً في دفع دواليب التاريخ الحديث للراسمالية. فمع ظهور الثورة التكنولوجية الرابعة(الثورة الرقمية الراهنة) اخذ العدد السنوي لظاهرة الاندماج والاستحواذ مابين الشركات يتزايد ليصبح ضعف ما كان عليه في العام 1990 .وعلى الرغم من صعوبة التفريق بين ظاهرتي( الاندماج والاستحواذ) الا ان الاندماج ينصرف الى الاتحاد القانوني لكيانين يصبحا كيان واحد وبعلامة تجارية واحدة.ويعد الاندماج افقياً اذ كان النشاط متماثل في حين يعد ذلك الاندماج عمودياً اذا كانت النشاطات تكاملية ويتمم بعضها البعض.اما الاستحواذ فينصرف الى قيام احد الكيانات بشراء اسهم شركة اخرى او الهيمنة على راس المال او الاصول للشركة المستحوذ عليها.وفي الاحوال كافة فان الاستحواذ والاندماج يؤديا في النهاية بان تصبح الاصول والخصوم موحدة في ظل كيان قانوني واحد. وبناءً على ذلك سمي مطلع القرن الحادي والعشرين في الولايات المتحدة الامريكية بانه يمثل فترة الخطى المتعجلة للاندماج والاستحواذ التلقائي وهو امرلم يتحقق بمثل هذه السرعة في تاريخ امريكا الاقتصادي الا قبل مئة عام مضت. فحصة اول 100 شركة أمريكية في تكوين الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة ارتفعت من 33بالمئة في العام 1994 لتبلغ بنحو يزيد على 46 بالمئة في العام 2014 في حين تستحوذ خمسة مصارف امريكية على نسبة 45 بالمئة من الاصول او الموجودات المصرفية في الولايات المتحدة بعد ان كانت بنحو 25 بالمئة في العام 2000 .
وهكذا عجلت التكنولوجيا الرقمية الحديثة من رفع حواجز الدخول الى مجالات السوق الحرة .ولكن وعلى الرغم من ذلك فان فكرة تركز السوق واندماجها كقوة مصححة لنفسها صارت هي الاهم مقارنة بما كانت علية السوق من قبل ولاسيما في مجال الصناعات الرقمية.ففي العام 1990 شكلت ثلاثة شركات لصناعة السيارت الامريكية في ميشغان –ديترويت القوة الراسمالية المتميزة بالتركز وبراسمال زاد على 36 مليار دولار وتشغيل قوة عمل تجاوزت المليون ونيف من العاملين الصناعيين.ولكن في العام 2014 ثمة ثلاثة شركات عاملة في حقل صناعة تكنولوجيا المعلومات في منطقة وادي سيلكون الامريكية بلغت تركزاتها الراسمالية بنحو زاد على واحد تريليون دولار ،في حين ان عدد العاملين فيها لم يتعدى 137 الف عامل. فحلم الشركات الصغيرة صار هو الميل نحو الاندماج بالشركات الكبيرة بدلاً من بناء وتوسيع نشاطاتها الانتاجية وتحويلها الى قوى انتاجية عملاقة. ويلحظ ان المشاريع الجديدة او الرائدة اليوم في امريكا هي بمستوى اقل مما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي .فالشركات التي تضمحل بالاندماج او الاستحواذ هي اليوم اكبر من الشركات التي تولد.
ويلحظ ان القضية السعرية قد ادت دوراً مهماً في تطور لعبة الاحتكار في تاريخ الشركات المندمجة في العالم. فغاية الاندماجات منذُ نهاية القرن التاسع عشر هي للمحافظة على الاسعار من الانخفاض الذي تسببه قوى المنافسة .فبين العام 1870 -1917 تشكل العالم الصناعي على وقع نشوء شركات عملاقة كشركات النفط والحديد نتاج الثورة التكنولوجية الثانية (العصر الصناعي الفيكتوري) تمثلت باختراع الكهرباء والمحرك الذاتي الدفع ،وهو الامر الذي اسس لمرحلة طويلة من الاحتكارالقامع للمنافسة.ومنذُ ذلك الوقت قوت الشركات الاحتكارية العملاقة من نفوذها باتجاهين الاول، ابعاد منافسيها خارج قطاع الاعمال والآخر ،هو الاحتماء بعلاقات قوية مع السياسيين.وان مثل هذا الاستقواء قد ساعد على تقويض النظام الراسمالي الليبرالي في عموم العالم الصناعي ولاسيما في اوروبا. وعلى الرغم من ان قانون( شيرمان) الصادر في العام 1890 في الولايات المتحدة قد وضعَ قواعد قوية ضد الاحتكارات ولاسيما التسعير الثابت إلا ان موجة الاندماجات استمرت لتعظيم الربح ولاسيما الاندماجات الافقية السريعة القصيرة الاجل.فخلال المدة 1850 -1905 اختفت اكثر من 1800 شركة صغيرة في الولايات المتحدة مندمجة في نشاطات كبيرة مماثلة وهو مااطلق علية بظاهرة(الترستات) والتي تمثلت كذلك بظاهرة الاندماج بين الشركات الكبيرة نفسها
Comment here