عدم البت في القوانين الاقتصادية: لمصلحة من؟

يعاني المواطن نتيجة تشوه الاقتصاد العراقي جملة من التحديات التي تتجسد في ضعف الخدمات الحكومية ومن الفقر والبطالة. ففي تقرير لوزارة التخطيط عن “خط الفقر وملامح الفقر في العراق” (في اذار 2009 ) ورد فيه ان خط الفقر يعادل 76896ديناراللفرد بالشهر، وان نسبة الافراد الذين لايستطيعون تأمين حاجاتهم الاساسية الغذائية وغير الغذائي تساوي 23%. اما البطالة فقد بلغت في اخر الاحصائيات 18%.

تعبيرا عن الاحتياجات الاقتصادية احالت الحكومة للبرلمان مجموعة من القوانين، الا انه لأسباب مختلفة تعثر تشريع القوانين. ولايخفي على الجميع ان الاختلاف السياسي كان ولازال له دور في تأخراصدار مثل هذه التشريعات. ولسنا هنا بصدد الاسباب، وانما ببحث الاثار والكلفة الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن غياب اقرار القوانين الاقتصادية، فمن القوانين التي لم يبت بها:

قانون التعرفة الكمركية، قانون اعادة الاعمار، مشروع قانون تعديل نظام تسديد مشروع قانون تعديل نظام تسديد اشتراكات الضمان الاجتماعي رقم 31 لسنة 1978، مشروع قانون النفط والغاز، مشروع قانون التعديل الثاني لقانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006 ، مشروع قانون منح الحقوق التقاعدية لذوي الدرجات الخاصة المعينين وكالة بعد 9/4/2003، مقترح التعديل الاول لقانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008، مشروع قانون رواتب موظفي رئاسة الجمهورية، مشروع قانون التعديل الاول لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 120 لسنة 2002، مشروع قانون صندوق استرداد اموال العراق وتعويضاته، مشروع قانون تعديل قانون الرسوم العدلية رقم 114 لسنة 1981، مشروع قانون تعديل قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل المادة 49، مشروع قانون تنظيم وتصفية الاموال المحجوزة والمصادرة، مقترح قانون الهيئة العليا لمحو الامية الالزامي، مشروع قانون الموازنة التكميلية العامة الاتحادية للسنة المالية 2009.

هناك ضرورة ملحَة لحساب الخسائر او الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن غياب هذه القوانين. في هذه الدراسة سوف نتناول ثلاث قوانين: قانون النفط، وقانون التعرفة الكمركية، وقانون الموازنة الفدرالية.

كانت الحاجة لقانون النفط تعبيرا عن الرغبة في زيادة الانتاج والصادرات ومن ثم الايرادات النفطية. فلو افترضنا ان القانون تم تشريعه في عام 2007 وتم التعامل مع الشركات النفطية ذات الاعتبار، فأن خبراء النفط يعتقدون ان العراق سوف يستطيع أن يرفع من قدرته على تصدير النفط بحد ادنى 0.5 مليون برميل باليوم، وبحد أعلى 2.0 مليون برميل باليوم. ويترتب على ذلك زيادة في حصة الفرد العراقي السنوية مقدارها بالدينار العراقي 468,000 بالحد الادني، و 1,872,000 بالحد الاعلى. الجدول التالي يوضح حصة المواطن بالسنة وبالدينار العراقي (وبالدولار في اليوم) من الزيادة المحتملة في الصادرات النفطية (مع افتراض سعر البرميل 60 $).

مقدار الزيادة في الصادرات النفطية (مليون برميل باليوم)

حصة المواطن بالدينار بالسنة

حصة المواطن بالدولار وباليوم

0.5

468,000

1.1

1

936,000

2.2

1.5

1,404,000

3.3

2

1,872,000

4.4

كمعدل نستطيع القول ان الفرد العراقي قد خسر 3.3 دولارا في اليوم او 1,404,000 دينار في السنة . وعند احتساب تأثير غياب التشريع على ضعف التخصيصات الاستثمارية لمشاريع الاعمار والتي تقدر باقل تقدير 187 $ مليار دولار، نجد ان مدة توفير مثل هذه التخصيصات سوف تطول لاكثر من عشرين عاما باقل تقدير. وبعبارة اخرى سوف تستمر معاناة المواطن في البطالة والفقر والحرمان.

وعلى الرغم من ان القانون ينص على الشفافية بأن يتم نشر العقود و تقاريرالانتاج والتقارير المالية فصليا وسنويا لإطلاع الجمهور، وعلى ان عقد الترخيص يعتبر باطلا” في حال انتهكت القوانين الخاصة بمكافحة الفساد، والزم القانون الشركات النفطية العاملة في العراق ان تلجأ الى عطاءات عامة على اسس تنافسية، وعلى الرغم من كل ذلك، فأن نسبة عالية من أعضاء مجلس النواب يثيرون هواجس ومخاوف من تشريع هذه القانون!!!

وكمثال اخر على تاثير غياب التشريعات الاقتصادية، هو قانون التعرفة الكمركية . لقد تم الغاء الرسوم الكمركية في 2003 واستعيض عنها بـرسم اعادة الاعمار بنسبة (5%)، وكان من المتوقع في عام 2006 تعديل هذه النسبة الى (10%) ، الا ان ذلك لم يحصل. لقد ادى الغاء قانون التعرفة الكمركية الى انخفاض الايرادات العامة. حيث قدرت ايرادات رسوم الاعمار لعام 2009 ب 508 مليار دينار عراقي، وفي حالة اقرار القانون ورفع النسبة المئوية الى 10 %، فأننا يجب ان نتوقع بلوغ العوائد الى موازنة الحكومة الى ترليون دينار عراقي. وعليه فأن حصة المواطن منها تعادل 37,630 دينار عراقي سنويا. ناهيك عن المنافع الاخرى التي يمكن ان تتحقق من خلال ترشيد سياسة الاستيراد ، والحماية التجارية التي يعاني منها رجال الاعمال والمؤسسات الانتاجية.

اما فيما يخص قانون الموازنة الفدرالية ، فأننا نجد سنويا تأخر اصدار قاونون الموازنة، الامر الذي يؤدي الى تعطُّيل البدء بالمشاريع الاستثمارية ، ومن ثم خفض نسب تنفيذ المشاريع الاستثمارية، وبالتالي ضعف الخدمات الحكومية .

يتضح مما تقدم ان هناك كلفة اجتماعية تتجسد باستمرار معاناة المواطنين من البطالة والفقر وضعف الخدمات الحكومية ومن ضعف التخصيصات المالية الاستثمارية الضرورية.

ان المواطن مدعو الى ان يمارس دوره في الانتخابات القادمة بالبحث عن الكتلة السياسية الوطنية : التي لها برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي واضح المعالم، و لها من الاتباع الذين يتمتعون بالنزاهة والقدرة على الاداء. ان استمرار المواطن في هدر صوته الانتخابي بالطريقة التي الفناها سابقا قد عمقت الانقسام والتخلف. ليس المهم ان لا نخطئ، بل الاهم ان نعرف الخطأ ونتجنبه.

 

Comment here